الْأَشْيَاء فَجعل مقَالَته بِالْقَلْبِ كتلك الْأَشْيَاء الَّتِي ذكرت وَلَا يقدر بِلِسَانِهِ أَن يعبر إِلَّا بمبلغ علمه فَرُبمَا يقبل مِنْهُ كَهَيئَةِ مَا أحَال عَلَيْهِ من حَمده وثنائه عَلَيْهِ وكما أحب وَرَضي لنَفسِهِ وَإِنَّمَا أَمر العَبْد بالثناء لعظمته ثمَّ يسْأَل الْحَاجة فَإِذا سَأَلَ الْحَاجة من قبل أَن يثني فَكَأَنَّهُ لم يعظم الرب وَلم يؤد حق العظمة
وَلَو أَن ملكا من مُلُوك الدُّنْيَا رفع الْحجاب فِيمَا بَيْنك وَبَينه وَسَهل ذَلِك السَّبِيل إِلَى نَفسه وَرفعت الْحَوَائِج إِلَيْهِ لَكَانَ قد عظم رتبتك ومنزلتك فَكيف بِرَبّ الْعَالمين تَعَالَى أفليس يجب عَلَيْك من ذَلِك الشُّكْر وَأول الشُّكْر أَن تعظمه بِاللِّسَانِ وَالْقلب ثمَّ من بعد ذَلِك رفع الْحجاب
مثل النَّفس مثل الكرش الَّذِي فِيهِ مستنقع الْبَوْل فِي المثانة إِذا دلكته بِالْأَرْضِ حَتَّى يرق ثمَّ نفخت فِيهِ حَتَّى يمتلئ من الرّيح ثمَّ ألقيت فِيهِ الزئبق فَإِذا أَصَابَته حرارة طَار ذَلِك الزئبق على وَجه الأَرْض دبيبا فَإِذا ألقيت فِيهِ مَعَ الزئبق رصاصة أمسكته فَكَذَلِك الشَّهَوَات فِي النَّفس كالزئبق فِي تِلْكَ الْجلْدَة الممتلئة ريحًا هفافة فَإِذا ثقلهَا الْإِيمَان على الْقلب سكنت النَّفس عَن الطياشة لِأَن الْإِيمَان بِالرَّحْمَةِ ناله العَبْد وَبرد الرَّحْمَة يُطْفِئ نَار الشَّهْوَة وإثقال العظمة