فَوجدَ صَدره مشحونا بأشغال أَحْوَال النَّفس وَقَلبه مشغوفا بحب الدُّنْيَا وَنَفسه مَفْتُونَة بالشهوات والمنى وعقله معتوها بالهوى رَجَعَ الْأَمِير قهقرى وَلَا يجد محلا وَلَا مُسْتَقرًّا لِأَن فِي هَذَا الْقلب من العتاهة وَفِي هَذِه النَّفس من النهمات والشهوات وَفِي هَذَا الصَّدْر من الْأَمَانِي والفتن وَالْمَكْر والغل والحسد والخيانة وأشغال وسواس العَبْد مَا هُوَ أقبح لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء أقبح من الْخَنَازِير وَمن الْهوى مَا هُوَ أَكثر ضَرَرا من النز فَكيف يقدر الْأَمِير أَن يملك هَذَا الْقلب وَيحل بِهَذَا الصَّدْر ويتملك على هَذِه النَّفس وَكَيف يَقْتَضِي الْعقل الْقيام بهَا
وَمن وافى إمرته فَوجدَ قلبا مشحونا بحب الله تَعَالَى وصدرا مشرقا بِنور الله تَعَالَى ونفسا مزينة بنزهة بساتين الله تَعَالَى وعقلا مشحونا بِنور وَجه الله تَعَالَى حل بِهِ الْأَمِير فَشرب الْقلب حلاوة الْأَمر وطعمت النَّفس لبابه وازداد الْعقل بالرأفة الَّتِي تَضَمَّنت الْأَمر وَظهر الْعَمَل على الْأَركان على حسب مَا وَصفنَا من الْبَاطِن
وَهَذَا لما ذكرنَا أَن الله تَعَالَى لم يَأْمر عباده أمرا لجر مَنْفَعَة وَلَا نَهَاهُم لدفع مضرَّة وَلَكِن أَمرهم رأفة بهم وَرَحْمَة عَلَيْهِم وَلما فِيهِ مصالحهم وَدفع المضار عَنْهُم