ذَلِك فقد نزلت آيَة الْخمر وَآيَة الرِّبَا فِي شَأْن قوم فعمت الْخلق كلهم وَلم يقل أحد من الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا نزلت هَذِه فِي شَأْن كَذَا وَفِي قوم كَذَا فَهَذَا لَهُم دُوننَا فَإِذا قَالَ الله تَعَالَى {اتَّقوا الله} فقد عَم الْخلق كلهم أَن يتقوه وَعم الْمَوَاضِع كلهَا فَإِذا قَالَ {وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} فقد اقتضاهم كلهم أَن يعلمُوا ذَلِك
وَقَوله {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} الْآيَة فسبيل الْقُلُوب إِلَى الْعَرْش إِلَى مظهره الَّذِي ظهر للعباد وَهُنَاكَ سَبِيل الْأَركان والجوارح إِلَى أمره وَنَهْيه فالإنفاق فِي سَبِيل الْقُلُوب من هَذِه البدرة الَّتِي كنزها فِي الصُّدُور والإنفاق فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ فالكنز فِي الْقلب وَمَوْضِع الْإِنْفَاق على الضَّيْف فِي الصَّدْر والإنفاق فِي سَبِيل الْأَركان والجوارح من الْأَمر وَالنَّهْي الَّذِي رسمه فِي التَّنْزِيل فيأتمر بأَمْره وَيَنْتَهِي عَن نَهْيه فكلاهما فِي سَبِيل الله تَعَالَى إِلَّا أَن أحد السَّبِيلَيْنِ للقلب إِلَى الْعَرْش وسبيل آخر للنَّفس إِلَى طَاعَة الله تَعَالَى ثمَّ إِلَى الْجنَّة
وَإِنَّمَا يستكمل فِي سَبِيل الطَّاعَة بالسبيل إِلَى الْعَرْش ثمَّ قَالَ {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} فيدعو مجاهدة النَّفس ورد الْهوى من حَيْثُ جَاءَ وَبِمَا جَاءَ من بَاب النَّار ثمَّ قَالَ {وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ} أَي أَحْسنُوا مجاورة معرفتي فِي قُلُوبكُمْ فَإِن