رجلاً أتاهم فقال: كما لا ينفع مع الشرك عما كذلك لا يضر مع الإيمان ذنب، فكلهم قال له: " عش ولا تغتر " يقولون: لا تفرط في أعمال البر، وخذ في ذلك بأوثق الأمور فإذا كان الشأن هناك على ما ترجوه من الرخصة والسعة كان ما كسبت زيادة في الخير وإن كان على ما تخاف كنت قد احتطت لنفسك.
وأصل هذا المثل فيما يقال، أنَّ رجلاً أراد أن يفوز بإبله عند الليل، وتأكل على عشب يجده هناك، فقيل له: عش إبلك، ولا تغتر بما لست على يقين نته، فصار مثلا لكل شيء يؤخذ فيه بالوثائق. وقال الأصمعي في مثله: أن ترد الماء بماءٍ أكيس.
يقول: لأن يكون معك فضل ماء ترد به على ماء آخر خير من أن تفرط في حمله، ولعلك تهجم على غير ماء. وقال أبو زَيد في مثله: برد غداةٍ غر عبداً من ضمأ.
وكان ذلك أنه خرج في برد النهار، ولم يتزود الماء لمّا رأى من روح أوّل النهار، فلما حميت عليه الشمس بالفلاة هلك عطشاً. ومثله قولهم: اشتر لنفسك وللسوق.
يقول: اشتر ما إن أمسكته انتفعت به، وإن لم ترده نفق عليك في البيع. وفي بعض الحديث " إذا اشترى أحدكم بعيراً فليشتره عظيماً سميناً، فإن اخطأه الخبر لم يخطئه المنظر " قال أبو عبيد: ومن الأخذ بالثقة والحزم الحديث المرفوع حين قال له رجل: ألا أرسل ناقتي وأتوكل؟