أنّه من طبيعة البنية الفكرية لأبناء العصر، فلقد نجد شيئا مشتركا بين قول الحمدويّ في طيلسان ابن حرب:
طال ترداده إلى الرّفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدّى [148]
وقول المولّدين في: 737 « ... لو ضاعت صفعة ما وجدت إلّا على قفاه» مما يعني أنّ هنالك تصورا مشتركا بين الشاعر ومجتمعه في تناول الأشياء، وفي النظر إليها، وفي التعبير عنها.
وثمة العشرات من هذه النماذج التي تؤكّد العلاقة الوثيقة- كما قلت- بين الشعر العباسيّ وأمثال المولّدين مما يمكن أن يكتشفه القاريء بنفسه في ثنايا الكتاب، ومما يجعلني- وأنا أقرأ هذه الأمثال- أسأل نفسي عمّا إذا كان المجتمع قد تبنّى الشعر فجعله مثلا، أم أن الشاعر قد تبنّى المثل فصاغه شعرا.
وأحبّ الآن أن أقف وقفة قصيرة عند أصول هذه الأمثال فأقول: لم يكن من المقدّر لهذه الأمثال- وقد نشأت طائفة كبيرة منها في العراق والشام- أن تكون بمنأى عن ثقافة العراق القديم، إذ لم يكن العراق يوم دخله الإسلام الحنيف خاليا من سكاّنه بناة حضارة بابل، وسومر، وأكد، فكان لا بدّ للعرب المسلمين يوم استوطنوه أن يتأثروا بثقافته مثلما يؤثرون فيه، هذا إذا لم يكن العراق القديم قد أثّر- وهذا هو الراجح- في الجزيرة العربيّة قبل ظهور الديانات السماويّة مما يجعل دراساتنا في الأدب العربيّ ناقصة ما لم تعن بتأثير الثقافات العراقية