ونيسابور، وشيراز، وغيرها ... وأغلب الظن أن معظم هذه الأسفار كان إما طلبا للعلم، أو بحثا عن الرزق، مما حدا البعض إلى القول بأن أبا حيان كان دائما «قلق الركاب، لا يكاد يستقر في مكان إلا ويزعجه أمر إلى ارتياد سواه» .
الأساتذة الذين درس عليهم كل واحد منهم إما أن يكون متخصصا بفرع من فروع المعرفة أو بفروع عدة. فقد درس في حياته الفلسفة والمنطق على أكبر عالمين فيهما في القرن الرابع، وهما يحيى بن عدي المتوفى سنة 364 هـ، وأبو سليمان المنطقي المتوفى سنة 391 هـ. ويحيى بن عدي فيلسوف نصراني قيل إنه انتهت إليه رياسة أهل المنطق في زمانه، وقد ترجم كتب أرسطو إلى العربية ولخص مؤلفات أستاذه الفارابي وشرح فلسفته.
ولعل أثره في التوحيدي يظهر بصورة خاصة في كتاب (المقابسات) ، وكان أبو سليمان المنطقي من أعظم علماء المنطق، وقد اعتزل الرؤساء لعورة إصابته بالبرص، فلزم منزله، ووفد عليه العلماء والطلاب حتى غدا منزله مقيلا لأهل العلوم القديمة، وكان يجمع إلى العلم بالمنطق إلماما بالأدب والشعر. وعلاقته بالتوحيدي كانت وثيقة كما تدل على ذلك عبارة الوزير ابن سعدان للتوحيدي « ... فقد بلغني أنك جاره ومعاشره ولصيقه ومجاوره، وقافي خطوه وأثره، وحافظ غاية خبره» ، بل إن قفطي تصور أن التوحيدي كان يغشى منازل الرؤساء لينقل أخبارها إلى النطقي.
ودرس التوحيدي الفقه الشافعي والتفسير على القاضي أبي حامد المروذي المتوفى سنة 362 هـ، وقد نقل عنه الكثير وروى عنه، حتى إن ابن أبي الحديد يقول:
«إن التوحيدي كان يسند إلى المروروذي ويقول: وإنما أولع بذكر ما يقوله هذا الرجل، لأنه أنبل من شاهدته في عمري، وكان بحرا يتدفق حفظا للسير، وقياما بالأخبار، واستنباطا للمعاني، وثباتا على الجدل، وصبرا على الخصام» . وفي مادة فقه الشافعي، درس التوحيدي على أبي بكر محمد بن علي القفال بن إسماعيل الشاشي المتوفى سنة 365 هـ، الذي قيل فيه إنه كان فقيها محدثا أصوليا لغويا شاعرا.
ودرس أيضا على القاضي أبي الفرج النهرواني المتوفى سنة 390 هـ، وكان فقيها أديبا شاعرا وصفه ابن خلكان بأن له «أنسة بسائر العلوم» ، وكان أهل زمانه يقولون عنه: «إذا حضر القاضي أبو الفرج، فقد حضرت العلوم كلها» . ووصفه صاحب (الفهرست) بأنه كان «في نهاية الذكاء وحسن الحفظ وسرعة الخاطر في الجوابات» .
ودرس التوحيدي على عليّ بن عيسى الزماني المتوفى سنة 384 هـ، وكان إماما في اللغة والأدب وذا معرفة بعلم الكلام كما تدل على ذلك عبارة ابن خلكان: «جمع علم الكلام والعربية» . وعده ياقوت في طبقة أبي علي الفارسي والسيرافي. وقال فيه ابن خلكان: «لم ير قط مثله علما بالنحو وغزارة في الكلام، وبصرا بالمقالات