مادّة المحيط، وقسم آخر فوق هذا الممتدّ، ثم فوق هذا ما لا يملكه وهم، ولا يدركه فهم، وذلك أنه في جناب القدس وحيث لا مرام لشيء من قوى الجنّ والإنس.

وسألت أبا سليمان فقلت: إنّ عليّ بن عيسى الرمّانيّ ذكر أن التمكين من القبيح قبيح، لأن التمكين من الحسن حسن. فلو كان التمكين من القبيح قبيحا مع كونه من الحسن حسنا كان حسنا قبيحا، وهذا تناقض، كيف صحّة هذا الّذي أومأ إليه؟

فقال: أخطأت، لأن التمكين وحده اسم مجرّد لشيء محدّد، والأسماء المحدّدة دلالتها على الأعيان لا على صفات الأعيان أو ما يكون من الأعيان أو ما يكون في الأعيان.

والتمكين معتبر بما يضاف إليه ويناط به، فإن كان من القبيح فهو قبيح لأنّه علّة القبيح، وإن كان من الحسن فهو حسن لأنه سبب الحسن.

وهذا كما تقول: هذا الدرهم نافع أو ضارّ؟ فيقال: إن صرفته فيما ينبغي فهو نافع، وإن أنفقته فيما لا ينبغي فهو ضارّ، وكذلك السّيف في الآلات، وكذلك اللّفظ في الكلمات، والإضافة قوّة إلهيّة سرت في الأشياء سريانا غريزيا قاهرا متملكا قاسرا، فلاجرم لا ترى حسيّا أو عقليّا أو وهميّا أو ظنيّا أو علميّا أو عرفيّا أو عمليّا أو حلميا أو يقظيا إلا والتصاريف سارية فيها، والإضافة حاكمة عليها.

وهذا لأن الأشياء بأسرها مصيرها إلى الله الحقّ، لأنّ مصدرها من الله الحقّ، فالإضافة لازمة، والنسبة قائمة، والمشابهة موجودة. ولولا إضافة بعضنا إلى بعض ما اجتمعنا ولا افترقنا، ولولا الإضافة بيننا الغالبة علينا ما تفاهمنا ولا تعاونّا.

قال: إذا كنّا بالتضايف نتوالى، فبأيّ شيء بعده نتعادى؟

قال: هذا أيضا بالإضافة، لأن الإضافة ظلّ، والشخص بالظلّ يأتلف، وبالظلّ يختلف.

وقال: ويزيدك بيانا أنّ العدم والوجود شاملان لنا، سائران فينا فبالوجود نتصادق، وبالعدم نتفارق.

وسأل «1» مرّة عن الطّرب على الغناء والضرب وما أشبههما.

فكان من الجواب: قيل لسقراط فيما ترجمه أبو عثمان الدمشقيّ: لم طرب الإنسان على الغناء والضرب؟ فقال: لأنّ نفسه مشغولة بتدبير الزمان من داخل ومن خارج، وبهذا الشغل هي محجوبة عن خاصّ ما لها.

فإذا سمعت الغناء انكشفت عنها بعض ذلك الحجاب، فحنّت إلى خاصّ ما لها من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015