بدليل أن أبا إسحاق إبراهيم بن يوسف الشيرازي قد روى أنه استمع إلى التوحيدي في شيراز سنة 410 هـ ثم عاد إلى بغداد سنة 414 هـ بعد وفاة أبي حيان. ولابدّ من أن يكون أبو حيان قد أمضى هذه الفترة الطويلة من الشيخوخة في التعبد والتنسك والاستغفار، بصحبة بعض إخوانه ومريديه من الصوفيين، إلى أن قضى بشيراز ودفن فيها على ما جاء في كتاب «وفيات الأعيان» . وبذلك يكون التوحيدي قد عمّر طويلا، إذ مات عن مائة وأربعة أعوام! وقد روى فارس بن بكران الشيرازي- وكان من أصحاب التوحيدي- الساعات الأخيرة من حياة صاحبه فقال: «لما احتضر أبو حيان كان بين يديه جماعة فقالوا: اذكر الله، فإن هذا مقام خوف، وكل يسعى لهذه الساعة، وجعلوا يذكرونه ويعظونه، فرفع رأسه إليهم وقال: كأني أقدم على جندي أو شرطي، إنّما أقدم على رب غفور، وقضى!» .

إنتاجه:

ليس غريبا على إنسان اتخذ من القلم حرفته، أن يجيء إنتاجه الفكري خصبا وافرا، خصوصا وأنه قد عاش أكثر من قرن بأكمله! ولكن الظاهر أن حادثة إحراق التوحيدي لكتبه في أواخر أيام حياته قد حالت دون وصول الكثير من مصنفاته إلينا، فضلا عن أن بعض هذه الكتب لم يكن من المرغوب فيه، فلم يكن من المستحسن اقتناؤها أو الاحتفاط بها! ومن المعروف عن أبي حيان أنه كان غزير الإنتاج، حريصا على النقل والرواية، محبا للبحث والجدل. ولئن كان موضوع هذه الكتب لم يقف عند الفلسفة والأدب، بل قد امتد أيضا إلى الكلام والفقه والشريعة والتصوف والنحو واللغة، إلا أن أبا حيان قد التزم في معظمها أسلوبا واحدا، ألا وهو أسلوب المحاورة والمسامرة، فجاءت كتبه «سهلة المأخذ، بعيدة عن التكلف والتعسف، بريئة من اللبس والغموض» .

ونتيجة للإهمال الذي عاش فيه أبو حيّان طوال العشرين عاما الأخيرة من حياته مستترا متخفيا، أحرق كتبه لقلة جدواها وضنا بها على من لا يعرف قدرها بعد موته.

يقول السيوطي قائلا: لعل النّسخ الموجودة الآن من تصانيفه كتبت عنه في حياته وخرجت عنه قبل حرقها، وربما كان لاشتغاله بالنّسخ وتأليفه كتبه وتقديمها إلى بعض رؤساء عصره أملا في مجازاته عليها سببا في بقاء العديد منها ونجاته من الحرق.

وعندما أقدم أبو حيان على ذلك نحو عام 400 هـ 1009 م كتب إليه القاضي أبو سهل علي بن محمد يعذله على صنيعه ويعرّفه قبح ما اعتمد من الفعل وشنيعه.

فكتب إليه أبو حيّان معتذرا عن ذلك بكتاب مؤرخ في شهر رمضان سنة أربعمائة. ونظرا لأهمية هذا الكتاب الذي يوضح فيه أبو حيّان الأسباب الّتي دعته إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015