والصيحة أثر من طبيعته الانتشار والانتشار مظنة الإضعاف، فإذا ما انتشرت ومع ذلك أهلكت دلَّ هذا على عظيم قوتها، فكان الجمع (ديار) أدلّ على قوتها، وهذا الانتشارُ الدَّالُّ على عظيم الأثر أنسب بمقصود سورة "هود" وهو التفصيل المصرح به في مستهلها.
تبين لك أنّ ما ذهب إليه " البقاعي" من تبيان التناسب بين إفراد (الدار) والبيان بالرّجفة مع السياق في سورة" الأعراف" ومقصودها: وتبيان التناسب بين جمع (الدار) والييان بالصيحة مع السياق في سورة (هود) ومقصودها.
وأنت لاتكاد تجد هذا عند كثير من سابقيه - وأخشى أن أقول من لاحقيه - مما يؤكِّد ما ذهب إليه من أنّه " لأجل اختلاف مقاصد السور تتعيرنظوم القصص، وألفاظها بحسب الأسلوب المفيد للدلالة على ذلك المقصود " (?)
و" أنَّ كلَّ سورة أعيدت فيها قصة فلمعنى ادعى في تلك السورة استدل عليه بتلك القصة غير المعنى الذي سيقت له في السورة السابقة، ومن ههنا اختلفت الألفاظ بحسب تلك الأغراض، وتغيرت النظوم بالتأخير واتقديم والإيجاز والتطويل مع أنها لايخالف شيءٌ منها أصل المعنى الذي تكونت به القصة " (?)
***
ويأتي جمع القلة في قول الله - سبحانه وتعالى -:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل:120-121) .