وبعض أهل العم بالبيان يجعل النظر في التذكير والتأنيث من أبواب شجاعة العربية وضربا من ضروب الالتفات على نحو ما هو متعالم لناشئة طلاب العلم عند ابن جنى ومن بعده ابن الأثير في المثل السائر، فإذا ماكان المتأخرون من بلاغيي مدرسة المفتاح لايعنون كثيرا بهذا فليس ذلك آية على إغفال البلاغيين للتذكير والتأنيث.

والتذكير والتأنيث المتخيَّر في البيان القرآني ظاهر لكلِّ تالٍ ينادي عليه بتدبّره فإنَّ من تحته كنوزَ لطائفِ المعانى.

ترى ذلك في قول الله - سبحانه وتعالى -:

{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} (الزمر:19)

وقوله - عز وجل - (الزّمر: 71) :

جاء الفعل (حق) مذكرًا على الرغم من إسناده إلى قوله (كلمة) وهو مؤنث غير حقيقي يجوز عربية فيه الأمران والغالب في لسان العامة تأنيث الفعل المسند إليه، فعدل في الآية عن ذلك الكثير الغالب لأمر يتناسب مع السياق والقصد ذلك لأنَّه " لما خصّ - سبحانه وتعالى - البشارة بالمحسنين [من أول قوله:للذين أحسنوا ... أولئك هم أولو الألباب (ي:10-18) ] علم أنَّ غيرهم قد حكم بشقاوته، وكان صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا لما جبل عليه من عظيم الرحمة ومزيد الشفقة جديرًا بالأسف على من أعرض

[ {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفا} ً (الكهف:6) و {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (الشعراء:3) ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015