ويقف " البقاعي" عند البيان بالفعل (تلهى: تفعل) وما بين مدلول مادته وصيغته وما اعتراها من حذف والسياق والقصد الأعظم من السورة من التناسب البياني البديع، فيقول:
" ولمَّا ذكر المستغنى ذكر مقابله، فقال - عز وجل -: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} أي خاصّةً في ذلك المجلس؛ لكونه في الحاصل (تلهى) أي تتشاغل؛ لأجل أولئك الأشراف ... تشاغلا خفيفًا بما أشار إليه حذف" التاء"
من لهى عنه كرضِيَ: إذا سلي وغفل وترك
وفي التعبير بذلك إشارة إلى أن الاشتغال بأولئك لافائدة فيه على ما تفهمه تصاريف المادة، وإلى أن من يقصد الانسان ويتخطى رقاب الناس إليه له عليك حق عظيم " (?)
حذف " التاء" من صيغة " التفعل" في الفعل (تلهى) فلم يقل (تتلهى) وتقديم الجار والمجرور (عنه) دالان دلالة باهرة على أنَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ما كان منه إلا مع ذلك المعاتب في شأنه، وأنه ما كان ليفعل لولا حرصه على ما فيه الصالح الأعلى بمقاديره البشرية، فحذفُ " التاء" آيةٌ على أنَّ هذا الفعل غيرُ متمكِّنٍ فيه ولا مستهترٍ في إيقاعه
وبديع أنْ كان الحذف لحرف معنى له الصدارة في صيغته، فهذا موحٍ بفقد الفعل الخاصة الدلالية لهذه الصيغة فكان فيه فارقٌ بين تلهى النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وتلهى غيره