أبان " البقاعي" مدلول صيغة (تولى) ، وأنَّه وإن يكن في (عبس) ما يوحي ظاهره بمخالفة الأولى، فإن في صيغة (تولى) إيذانا بالمدح الكاشف عمَّا جُبِلَ عليه رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، فإنَّ في الاقتران بين الفعلين وكلٌّ منهما بصيغة دالٌّ على المقام العَلِيِّ الذي كان عليه النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، فهذا التولى لم يك منه - صلى الله عليه وسلم - على منهاج فطرته بل كان الحامل نفسه على أن تفعل ذلك حرصًا على ما فيه صالح الإسلام أولا وصالح " ابن أم مكتوم " - رضي الله عنه - ثانيًا، ثم صالح أولئك الصناديد ثالثًا
ومما يزيد المعنى انكشافًا ما جاء من البيان عن فعل التصدي لهؤلاء الصناديد بقوله - جل جلاله -: {وَأمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأنْتَ لَه تَصَدَّى}
يقول: " ولما ذكر العبوس والتولي عنه، فأفهما ضدهما لمن كان مقبلا عليهم، بيَّنَ ذلك، فقال: {أمَّا من استغنى} أي طلب الغنى وهو المال والثروة، فوجده، وإن لم يخش، ولم يجيء إليك {فأنت له تصدّى} أي تتعرضُ بالإقبال عليه والاجتهاد في وعظه رجاء إسلامه وإسلام اتباعه بإسلامه ...
وأشار بحذف "تاء" التفعل في قراءة الجماعة وإدغامها في قراءة " نافع" و" ابن كثير" إلى أنَّ ذلك كان على وجه خفيف، كما هي عادة العقلاء...." (?)