ولما كان السبب فى الحياة هو السحاب بما ينشأ عنه من الماء قال: {فأحيينا به الأرض} ولما كان المراد إرشادهم إلى القدرة على البعث الذى هم به مكذبون قال رافعا للمجاز بكل تقدير وموضحا كل الإيضاح للتصوير: (بعد موتها ... كذلك ... النشور) (?) .
لاحظ "البقاعِيّ" دلالة المضارع على تصوير الحدث، وإقامته بين عينى المخاطب كأنَّه يقع، فلا يحجزه عن التبصر فيه والاعتبار إلا حاجز من نفسه
وجاء البيان بالمضارع فى الفعل الذى حدثه فى الكون أدلّ على وقوع البعث الذى السياق له وهو حدث الإثارة (فتثير) وهذه الإثارة مثلها إثارة الموتى من أجداثهم، فمن أثار سحابا ليحيى به أرضا ميتة قادر على إثارة الموتى من قبورهم فى تلك الأرض، فكان المضارع هنا هو القادر على تحقيق القصد، وكان هو الأنس بالسياق، ولم يمنع من إقامته فى مقامه أن سبقه ماض وتبعه ماض، فالتناسق الشكلى العقيم لايدفع عن العناية بإقامة التناسق الدلالى النبيل الكريم.
ليس المهم إذن أنْ نقولَ إنَّ المضارع يصوّر الحدث ويستحضره بين ناظرىْ المخاطب، ولكنَّ الأهمَّ هو إدراك التناسق بين السياق والقصد والفعل المُصْطَفَى ليكون العدولُ فيه من الماضى إلى المضارع، فليس كل فعل من أفعال الآية بالصَّالح لأنْ يقعَ فيه ذلك العدولُ من الماضى إلى المضارع، بل المرجع فى هذا إلى طبيعة حدث هذا الفعل وعلاقته بالسياق والقصد المنصوب له الكلام.