والإيجاز في دلالته على المعانى المتكاثرة إنّما يتخذُ سبيلا غير مكشوف بل يُهدِى إليك لطائفَه ملفوفة في ستائر حريرية، وذلك مما تعشقه النفس المتذوقة جمال البيان.

والحذف ضرب من ضروب الايجاز التى تتسم بما هو فوق الذي ذكرت لك، وقد كان من "الإمام عبد القاهر الجرجانى " في كتابه: " دلائل الإعجاز" كلماتٌ في صدر كلامه في باب "الحذف" أشار فيها إلى شيء من محاسن الحذف وفضائله وعطاياه يقول فيها:

" هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به تركَ الذّكرِ أفصحَ من الذكر، والصمتَ عن الإفادة أزيدَ للإفادة، وتجدك أنطقَ ما تكون إذا لم تنطقْ، وأتمَّ ما تكونُ بيانًا إذا لم تُبِنْ. وهذه جملة قد تنكرها حتى تَخْبُر وتدفعها حتى تنظر " (?)

وعبارة "عبد القاهر" هذه جِدُّ غنية بالدَِّلالات اللَّطيفة والمدلولات النبيلة، وقد أغراك وهداك إلى شيء من لطائفها ببيانه فيها بيانا أقامه على منهاج التوقيع النغمى المِرْنان.

تأمل عبارته معزوفةً على أوتار السجع والتوازن ورد الأعجاز على الصدور من جهة، والتقابل من جهة أخرى، ففي هذا إيماء إلى ما يحتويه "الحذف" من بدائع المعانى والمَغانِى (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015