وقد كان له فضله الذي لا ينكر عَلَى الحديث وأهله - بما بذل من المجهود العلمي العظيم، فإنه أسهم في حركة النهضة الحديثية بسهم وافر، فوضع في الحديث وَعِلَلِهِ وَرِجَالِهِ مؤلفات كثيرة، تقدم فيها بهذه الفنون تقدما كَبِيرًا، وبلغ بها الغاية، وكانت عُمْدَةً لمن جاء بعده، وهي كثيرة وافرة، منها: " الجامع الصحيح "، والتواريخ الثلاثة: " الكبير "، و " الأوسط "، و " الصغير "، و" الضعفاء "، و" المتروكين "، وغيرها، وهي تزيد عَلَى عشرين مُؤَلَّفًا (?) طبع منها جملة تقارب العشرة.
بهذا الجهد العلمي في خدمة الحديث النبوي كانت حياة البخاري كلها جهادًا وعَمَلاً وَتَحَمُّلاً للمصاعب وَصَبْرًا عَلَى المشاق، وقد امتُحِنَ في آخر عمره في مدينة نيسابور، حيث نُسِبَ إليه القول بخلق لفظنا بالقرآن، وما بهذا الرأي من عيب، ولكن القوم كانوا عَلَى عصبية شديدة وتهيب عظيم في هذا الموضوع، لما نال أَهْلَ السُنَّةِ وَالحَدِيثِ وإمامهم المقدم أحمد بن حنبل من الفتنة الشديدة، فشغب عليه الناس، وانفضوا عنه، وخشي البخاري على نفسه، فترك مدينة نيسابور (?) - وكان اسْتَقَرَّ بها زمانا - فذهب إلي بلدته بُخَارَى حيث اسْتُقْبِِلَ أحسن استقبال، ولكنه لم يلبث أَنْ اضْطُرَّ للخروج منها، فذهب إلي بَيِْكَنْدْ، ثم اتجه إلي مدينة سَمَرْقََنْدْ. ولكنه مرض في الطريق فلبث عند أقربائه بقرية (خَرْتَنْكْ)، حيث انتقل إلي جوار ربه رَاضِيًا