وقد اختلف العلماء في بيان حكمها على أقوال متعددة فقال أبو العباس ابن سريج: "لا يجوز التمسك بالعام ما لم يتقص في طلب المخصص، فإذا لم يوجد ذلك المخصص فحينئذ يجوز التمسك به في إثبات الحكم العام"1.
وقد استدل ابن سريج بالأدلة الآتية وهي2:
أولا: أن المقتضي للعموم هو الصيغة المتجردة عن القرائن ولا يعلم تجردها عن القرائن إلا بعد النظر في الأصول والبحث عن الأدلة، لأن دليل التخصيص قد يكون متصلا بلفظ العموم بالشرط والاستثناء، وقد يكون متأخرا عنه فلم يجز اعتقاد عمومه ما لم يوجد شرط العموم فيه.
ثانيا: إن هذا الأمر يقاس على البينة في الحكم حيث يعتمد على ما يعلم إذا علم الحاكم عدالتها، لو كانت البينة لا تكون بينة حتى يعلم خبرها من الأسباب القادحة في العدالة، لم يجز العمل بها مع الجهل بحالها، بل يجب عليه أن يتوقف فيها حتى يكشف عن باطن حالها بسؤال أهل الخبرة والمعرفة بالشهود. كذلك في مسألتنا.
ثالثا: بأنه لا طريق إلى معرفة ذلك بغير البحث والسبر وهو غير يقيني. والقول بأنه لو كان ثم مخصص لاطلع عليه العلماء غير يقيني لجواز وجوده مع عدم اطلاع أحد من العلماء عليه. وبتقدير اطلاع بعضهم عليه فنقله له أيضا غير قاطع. بل غايته أن يكون ظنيا. كيف وأنه ليس كل ما ورد فيه العام مما كثر خوض العلماء فيه، وبحثهم عنه ليصح ما قيل.
رابعا: إنه بتقدير قيام المخصص لا يكون العموم حجة في صورة التخصيص فقبل البحث عن وجود المخصص يجوز أن يكون العموم حجة، وأن لا يكون، والأصل أن لا يكون حجة إبقاء للشيء على حكم الأصل.
خامسا: أن اللفظ الموضوع للاستغراق هو اللفظ المتجرد عن القرائن المخصصة، ولابد من طلب التجرد لنحمل على المعنى الموضوع له اللفظ، وعند الطلب نعرض الخطاب الوارد على دلائل الشرع ليعرف هل وجد هناك دليل يخص اللفظ أولا. ثم إذا لم نجد فقد