بين عيينيه، وكان على خده الساريع، وعلى رأسه عمامة سوداء، فأخرج من تحتها جمة، تحته كرسي مذهب، على الكرسي مخدة ديباج، وحوله مشايخ جملة نواكس الرؤس والأذقان ما منهم أحد يفيض بكلمة، وقد كان حكى لي حبر من الأحبار بالشام أن النبي الأمي التهامي صلى الله عليه وسلم، هذا زمان، فلما رأيته خلته، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أما وكان قد وليت هو نقله من هذا، فقالوا: أبو نضلة هاشم بن عبد مناف، فجلس إليه، فسمعته يقول، وقد حركن تراقيه، كأنها بطون الحيات: يا معشر قريش: الحلم شرف، والصبر ظفر، والجود مودة، والمعروف محمدة، والجهل سفه، والعجز مذلة، والحرب خدعة، والدهر دول، والأيام عبر، والمرء منسوب إلى فعله، مأخوذ بعمله، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، واستشعروا الحلم تجوزا السدود، ودعوا القصور يجانبكم السفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وحابوا وحاموا على الخليط يرغب في جواركم، وانصفوا الناس ينصف بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها تزيد في الرفق، وإياكم والأخلاق الدنية فإنها تضع من الشرف، قال: فخرجت من عنده وأنا أقول: هذا والله المجد لا مجد الحقبة.