وَمَا يَثْبُتُ لِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَرْكُهُ لِآبَائِهِمَا، أَوْ أَبْنَائِهِمَا أَوْ عَصَبَتِهِمَا، وَلَوْ جَازَ لِلِابْنِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ عَنْ الْأَبِ فِي وِلَايَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ وَالْقِيَامِ بِدَمِهِ لَوْ قُتِلَ وَالْعَقْلِ عَنْهُ لَوْ جَنَى، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ لِآبَائِهِ، وَلَا أَبْنَائِهِ، وَلَا لِإِخْوَتِهِ، وَلَا عَصَبَتِهِ
؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ حُقُوقٌ عَلَى الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لِلْوَالِدِ إزَالَتُهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْحَالِ الْوَلَدُ.
فَلَمَّا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُثْبِتَ رَجُلٌ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ نَسَبَ مَنْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَلِدْهُ فَيُدْخِلَ عَلَيْهِمْ مَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَ مِنْ نُسِبَ إلَيْهِ مَنْ نُسِبَ لَهُ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ كَالْمَوْلُودِ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِهِ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى وَلَاءِ رَجُلٍ لَمْ يُعْتِقْهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُثْبِتُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ يُثْبِتُ عَلَى وَلَدِهِ وَآبَائِهِ وَعَصَبَتِهِ وِلَايَتَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ عَقْلٍ وَغَيْرِهِ بِأَمْرٍ لَا يَثْبُتُ، وَلَا لَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَثْبُتْ.
فَقَالَ: هَذَا كَمَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت فَلِمَ جَازَ لَك أَنْ تُوَافِقَهُ فِي مَعْنًى وَتُخَالِفَهُ فِي مَعْنًى؟ وَمَا وَصَفْت فِي تَثْبِيتِ الْحُقُوقِ فِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ.
قَالَ: أَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْت وَمَا يَعْرِفُ النَّاسُ فَكَمَا قُلْت لَوْلَا شَيْءٌ أَرَاك أَغْفَلْته وَالْحُجَّةُ عَلَيْك فِيهِ قَائِمَةٌ.
قُلْت وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قُلْت لَهُ لَيْسَ يَثْبُتُ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. قَالَ: لِأَنَّهُ خَالَفَ غَيْرَهُ مِنْ حَدِيثِك الَّذِي هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ.
قُلْت لَوْ خَالَفَك مَا هُوَ أَثْبُتُ مِنْهُ لَمْ نُثْبِتْهُ وَكَانَ عَلَيْنَا أَنْ نُثْبِتَ الثَّابِتَ وَنَرُدَّ الْأَضْعَفَ.
قَالَ: أَفَرَأَيْت لَوْ كَانَ ثَابِتًا أَيُخَالِفُ حَدِيثُنَا حَدِيثَك عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوَلَاءِ؟ فَقُلْت لَوْ ثَبَتَ لَاحْتَمَلَ خِلَافَهَا وَأَنْ لَا يُخَالِفَهَا؛ لِأَنَّا نَجِدُ تَوْجِيهَ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا لَوْ ثَبَتَ وَمَا وَجَدْنَا لَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ تَوْجِيهًا اسْتَعْمَلْنَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لَوْ كَانَ ثَابِتًا؟ قُلْت: يُقَالُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا، وَلَوْ نَقَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِوَجْهِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ شَرْطِ الْوَلَاءِ فِيمَنْ بَاعَ فَأَعْتَقَهُ غَيْرُهُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّذِي أَعْتَقَ إذَا كَانَ مُعْتِقًا لَا عَلَى الْعَامِّ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُعْتِقٍ إذْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَاءً لِغَيْرِ مُعْتِقٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ.
قَالَ: هَذَا الْقَوْلُ الْمُنْصِفُ غَايَةَ النَّصَفَةِ فَلِمَ لَمْ تُثْبِتْ هَذَا الْحَدِيثَ فَنَقُولُ بِهَذَا؟ قُلْت؛ لِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ وَمُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ وَأَنْتَ لَا نُثْبِتُ حَدِيثَ الْمَجْهُولِينَ، وَلَا الْمُنْقَطِعَ مِنْ الْحَدِيثِ.
قَالَ: فَهَلْ يَبِينُ لَك أَنَّهُ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عِتْقٌ؟ قُلْت نَعَمْ، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا وَصَفْنَا مِنْ تَثْبِيتِ الْحَقِّ لَهُ وَعَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بِخِلَافِهِ.
قَالَ: فَإِنْ قُلْت يَثْبُتُ عَلَى الْمُوَالِي بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ الْعِتْقِ، فَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَهُ.
قُلْت: فَمَا تَقُولُ فِي مَمْلُوكٍ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ لِغَيْرِك أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْك أَيَكُونُ إسْلَامُهُ ثَابِتًا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَفَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَك أَمْ يُبَاعُ عَلَى سَيِّدِهِ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ؟ قَالَ: بَلْ يُبَاعُ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ.
قُلْت فَلَسْت أَرَاك جَعَلَتْ الْإِسْلَامَ عِتْقًا، وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ يَكُونُ عِتْقًا كَانَ لِلْعَبْدِ الذِّمِّيِّ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الَّذِي قُلْت هَذَا فِيهِ حُرًّا وَكَانَ إسْلَامُهُ غَيْرَ إعْتَاقِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَك أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ، وَلَا يَخْرُجُ بِالْإِسْلَامِ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ قُلْت كَانَ مَمْلُوكًا لِلذِّمِّيِّينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ وَيُدْفَعَ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ قَالَ: لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلذِّمِّيِّينَ وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُمْ، وَهُوَ يوارثهم وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلَا لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ هُوَ حُرٌّ، قُلْت وَكَيْفَ كَانَ الْإِسْلَامُ كَالْعِتْقِ؟ قَالَ: بِالْخَبَرِ، قُلْت لَوْ ثَبَتَ قُلْنَا بِهِ مَعَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقُلْت لَهُ: وَكَيْفَ قُلْت فِي الَّذِي لَا وَلَاءَ لَهُ، وَلَمْ