يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ وَرَدَّ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ عَدُوٍّ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ؟ أَوَرَأَيْت إذَا كَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَا يُحْظَرُ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَّا لِوَارِثٍ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَنْ يُحْظَرَ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِحَالٍ أَلَيْسَ قَدْ خَالَفْنَا السُّنَّةَ؟ أَوْ رَأَيْت إذَا كَانَ حُكْمُ الثُّلُثِ إلَيْهِ يُنَفِّذُهُ لِمَنْ رَأَى غَيْرَ وَارِثٍ لَوْ كَانَ وَارِثُهُ فِي الْعَدَاوَةِ لَهُ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْعَدَاوَةِ، وَكَانَ بَعِيدَ النَّسَبِ، أَوْ كَانَ مَوْلًى لَهُ فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ آخَرَ بِمَالٍ قَدْ كَانَ يَجْحَدُهُ إيَّاهُ، أَوْ كَانَ لَا يُعْرَفُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِهِ، وَلَا الْآخَرُ بِدَعْوَاهُ أَلَيْسَ إنْ أَجَازَهُ لَهُ مِمَّا يُخْرِجُ الْوَارِثُ مِنْ جَمِيعِ الْمِيرَاثِ أَجَابَهُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَارَ الْوَارِثَ؟ وَإِنْ أَبْطَلَهُ أَبْطَلَ إقْرَارًا بِدَيْنٍ أَحَقَّ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْأَحْكَامُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْمُغَيَّبِ وَمَنْ حَكَمَ عَلَى النَّاسِ بِالْإِزْكَانِ جَعَلَ لِنَفْسِهِ مَا حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا يُوَلِّي الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَى الْمُغَيَّبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَكَلَّفَ الْعِبَادَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْعِبَادِ بِالظَّاهِرِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِبَاطِنٍ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ كَانَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمَا وَصَفْت مِنْ هَذَا يَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْعِلْمِ، فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْبَاطِنِ؟ قِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ: لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] قَرَأَ إلَى {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [المنافقون: 2] فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَنَاكَحُونَ وَيَتَوَارَثُونَ وَيُسْهَمُ لَهُمْ إذَا حَضَرُوا الْقِسْمَةَ وَيُحْكَمُ لَهُمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ كُفْرِهِمْ وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً مِنْ الْقَتْلِ بِإِظْهَارِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْإِيمَانِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ. فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ بِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِقِطْعَةٍ مِنْ النَّارِ» فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى الْبَاطِنِ وَأَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إذَا عَلِمَهُ حَرَامًا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَكْشِفُهُمْ عَمَّا لَا يُبْدُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَنَّهُمْ إذَا أَبْدَوْا مَا فِيهِ الْحَقُّ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِذَلِكَ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَقَالَ: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] وَبِذَلِكَ أَوْصَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ، ثُمَّ قَالَ اُنْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ بِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا مَا حَكَمَ اللَّهُ» ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِمَا الدَّلَالَةَ الْبَيِّنَةَ الَّتِي لَا تَكُونُ دَلَالَةٌ أَبْيَنَ مِنْهَا.
، وَذَلِكَ خَبَرُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ، ثُمَّ جَاءَ الْوَلَدُ عَلَى مَا قَالَ مَعَ أَشْيَاءَ لِهَذَا كُلِّهَا تَبْطُلُ حُكْمُ الْإِزْكَانِ مِنْ الذَّرَائِعِ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُكْم الْإِزْكَانِ فَأَعْظَمُ مَا فِيمَا وَصَفْت مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِزْكَانِ خِلَافُ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَنْ يُحْكَمَ بَيْنَ عِبَادِهِ مِنْ الظَّاهِرِ وَمَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ يَمْتَنِعْ مَنْ حَكَمَ بِالْإِزْكَانِ إنْ اخْتَلَفَتْ أَقَاوِيلُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا بِخِلَافِهِ مَا وَصَفْت مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَكْثَرُ أَقَاوِيلِهِ مَتْرُوكَةً عَلَيْهِ لِضَعْفِ مَذْهَبِهِ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُزْكَنُ فِي الشَّيْءِ الْحَلَالِ فَيُحَرِّمُهُ ثُمَّ