الام للشافعي (صفحة 962)

وَأَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي جُمْلَةِ الْمُعْتَدَّاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ السُّكْنَى وَكَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ فِي مَعْنَاهَا احْتَمَلَتْ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ. فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا فَالسُّكْنَى لَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْصُوصٌ، أَوْ فِي مَعْنَى مَنْ نَصَّ لَهَا السُّكْنَى فِي فَرْضِ الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا فَالْفَرْضُ فِي السُّكْنَى لَهَا فِي السُّنَّةِ ثَمَّ فَمَا أَحْفَظُ عَمَّنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا السُّكْنَى، وَلَا نَفَقَةَ، فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَأَيْنَ السُّنَّةُ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟ قِيلَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَا وَصَفْت فِي مَتَاعِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ: بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَهَذَا ثَابِتٌ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا نَزَلَ فَرْضُ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهَا الْمِيرَاثَ كَمَا أَثْبَتَهُ لِأَهْلِ الْفَرَائِضِ وَلَيْسَ فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِآخِرِ مَا أَبْطَلَ حَقَّهَا.

وَقَالَ: بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ عِدَّتَهَا فِي الْوَفَاةِ كَانَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَقَدْ بَطُلَتْ عَنْهَا الْأَقْرَاءُ وَثَبَتَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ مَنْصُوصَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ هِيَ فِي السُّنَّةِ؟ قِيلَ: أَخْبَرَنَا. حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمُطَلَّقَةِ لَا تَحِيضُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا سِيَاقُهَا وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ فِي الْمُطَلَّقَةِ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ مُطَلَّقَةٍ تَحِيضُ وَمُتَوَفًّى عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَأَيُّ مَعَانِيهَا أَوْلَى بِهَا؟ قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَأَنَا الَّذِي يُشَبِّهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي كُلِّ مُعْتَدَّةٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ. فَإِنْ قَالَ: مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا كَانَتْ الْعِدَّةُ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وَكَانَ وَضْعُ الْحَمْلِ بَرَاءَةً مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ هَادِمًا لِلْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ كَانَ هَكَذَا فِي جَمِيعِ الْعَدَدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعَ أَنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ غَايَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَدْ يَكُونُ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَرَاءَةً فِي الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

[بَابُ اسْتِحْدَاثِ الْوَصَايَا]

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي غَيْرِ آيَةٍ فِي قِسْمِ الْمِيرَاثِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] .

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَنَقَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِلْكَ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَحْيَاءِ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَجَعَلَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِيمَا مَلَّكَهُمْ مِنْ مِلْكِهِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قَالَ: فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمَعْقُولُ فِيهَا {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا نَقُولُ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ مُخَالِفًا، وَقَدْ تَحْتَمِلُ الْآيَةُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا أَظْهَرَ مِنْهُ وَأَوْلَى بِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ فِيمَا عَلِمْت وَإِجْمَاعُهُمْ لَا يَكُونُ عَنْ جَهَالَةٍ بِحُكْمِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] مَعَانٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافٍ عَلِمْته فِي أَنَّ ذَا الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِ الرَّجُلِ فِي حَيَاتِهِ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَكَانَ أَهْلُ الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَمْلِكُونَ عَنْ الْمَيِّتِ مَا كَانَ الْمَيِّتُ أَمْلَكُ بِهِ كَانَ بَيِّنًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015