الْقَاسِمُ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَفِيمَا أَعْطَوْا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْقَاسِمُ يَرَحمه لَمْ يُجِبْهُ فِي الْعُمْرَى بِشَيْءٍ إنَّمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: إنَّ الْعُمْرَى مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ الَّتِي أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاسِمُ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَلَوْ سَمِعَهُ مَا خَالَفَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَإِذَا قِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ: لَوْ كَانَ الْقَاسِمُ قَالَ هَذَا فِي الْعُمْرَى أَيْضًا فَعَارَضَك مُعَارِضٌ بِأَنْ يَقُولَ: أَخَافُ أَنْ يَغْلَطَ عَلَى الْقَاسِمِ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْهُ إذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَصَفْنَا يُرْوَى مِنْ وُجُوهٍ يُسْنِدُونَهُ. قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ أَهْلُ الْحِفْظِ بِالْغَلَطِ فَقِيلَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَالَ: لَا يَجُوزُ قُلْنَا مَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَازِمًا لِأَهْلِ دَيْنِ اللَّهِ، أَوْ مَا قَالَ الْقَاسِمُ أَدْرَكْت النَّاسَ وَلَسْنَا نَعْرِفُ النَّاسَ الَّذِينَ حُكِيَ هَذَا عَنْهُمْ، فَإِنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِ الْقَاسِمِ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَقُولَ أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَالنَّاسُ الَّذِينَ أَدْرَكَ أَئِمَّةٌ يَلْزَمُهُ قَوْلُهُمْ قِيلَ لَهُ: فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فَقَالَ: لِأَهْلِهَا شَأْنَكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسَ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ يُفْتِي بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ قَالَ: فِي هَذِهِ لَا أَعْرِفُ النَّاسَ الَّذِينَ رَوَى الْقَاسِمُ هَذَا عَنْهُمْ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْرِفُ النَّاسَ الَّذِينَ رَوَى هَذَا عَنْهُمْ فِي الشُّرُوطِ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ إنَّ الْقَاسِمَ لَا يَقُولُ النَّاسَ إلَّا الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ قَوْلُهُمْ، فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَ الْقَاسِمِ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَعَابَ عَلَى غَيْرِهِ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي اللُّقَطَةِ مِثْلُ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ «وَقَالَ: فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ إذَا وَجَدْتَهَا فِي مَوْضِعِ مَهْلَكَةٍ فَهِيَ لَك فَكُلْهَا، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَاغْرَمْهَا لَهُ.» «وَقَالَ: فِي الْمَالِ يُعَرِّفُهُ سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهُ إنْ شَاءَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ غَرِمَهُ لَهُ» ، وَقَالَ: «يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهَا مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا إنْ شَاءَ» إلَّا أَنِّي لَا أَرَى لَهُ أَنْ يَخْلِطَهَا بِمَالِهِ، وَلَا يَأْكُلَهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى عَدَدِهَا وَوَزْنِهَا وَظَرْفِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمَهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ يَجِدُهَا بِالْمَهْلَكَةِ تَعْرِيفٌ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَهَا فَهِيَ لَهُ وَمَتَى لَقِيَ صَاحِبَهَا غَرِمَهَا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ، وَلَا الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَلَا يَعِيشَانِ وَالشَّاةُ يَأْخُذُهَا مَنْ أَرَادَهَا وَتُتْلَفُ لَا تُمْتَنَعُ مِنْ السَّبْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ يَرِدَانِ الْمِيَاهَ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ وَيَعِيشَانِ أَكْثَرَ عُمْرِهِمَا بِلَا رَاعٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْبَقَرُ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ وَجَدَ رَجُلٌ شَاةً ضَالَّةً فِي الصَّحْرَاءِ فَأَكَلَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ: يَغْرَمُهَا خِلَافُ مَالِكٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : ابْنُ عُمَرَ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللُّقَطَةِ، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ لَا يَأْكُلُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ انْبَغَى أَنْ يُفْتِيَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ لَهَا ثِقَةً أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا وَأَشْهَدَ شُهُودًا عَلَى عَدَدِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا أَمَرَهُ أَنْ يُوقِفَهَا فِي يَدَيْهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهَا فَيَأْخُذَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً فِي مَالِهِ وَأَمَانَتِهِ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدَيْهِ إلَى مَنْ يَعِفُّ عَنْ الْأَمْوَالِ لِيَأْتِيَ رَبُّهَا وَأَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَرْكُ لُقَطَةٍ وَجَدَهَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ وَجَدَهَا فَأَخَذَهَا ثُمَّ أَرَادَ تَرْكَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَهَذَا فِي كُلِّ مَا