تَطَوُّعًا عَلَى أَحَدٍ؟ فَقُلْت: لَا إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ الْهَدِيَّةَ، وَقَدْ يَجُوزُ تَرْكُهُ إيَّاهَا عَلَى مَا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ وَأَبَانَهُ مِنْ خَلْقِهِ تَحْرِيمًا وَيَجُوزُ لِغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصَّدَقَاتِ مِنْ الْعَطَايَا هِبَةٌ لَا يُرَادُ ثَوَابُهَا وَمَعْنَى الْهَدِيَّةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا قَالَ: أَفَتَجِدُ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِهِ الْهَدِيَّةِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، أَخْبَرَنِيهِ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ أَلَمْ أَرَ بُرْمَةَ لَحْمٍ فَقَالُوا ذَلِكَ شَيْءٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ» فَقَالَ: مَا الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً؟ قُلْت: كُلُّ مَا كَانَ الشُّهُودُ يُسَمُّونَهُ بِحُدُودٍ مِنْ الْأَرْضِينَ وَالدُّورِ مَعْمُورِهَا وَغَيْرِ مَعْمُورِهَا وَالرَّقِيقِ فَقَالَ أَمَّا الْأَرْضُونَ وَالدُّورُ فَهِيَ صَدَقَاتُ مَنْ مَضَى فَكَيْفَ أَجَزْت الرَّقِيقَ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ الصَّدَقَةَ بِالرَّقِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي الْأَرْضِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا فَقُلْت لَهُ تَصَدَّقَ السَّلَفُ بِالدُّورِ وَالنَّخْلِ وَلَعَلَّ فِي النَّخْلِ زَرْعًا أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ لَا أُجِيزُ الصَّدَقَةَ بِحَمَّامٍ، وَلَا مَقْبَرَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِلدُّورِ وَأَرَاضِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ السَّلَفُ تَصَدَّقُوا بِدُورٍ وَأَرَاضِيِ نَخْلٍ وَزَرْعٍ فَكَانَ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ وَقَدْ تَتَغَيَّرُ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّامُ وَالْمَقْبَرَةُ يُعْرَفَانِ بِحَدٍّ، وَإِنْ تَغَيَّرَا قَالَ هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ قَالَ، فَإِذَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْعَبِيدَ بِأَعْيَانِهِمْ أَتَجِدُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ بِهِمْ فِي مَعْنَى الْأَرْضِينَ وَالنَّخْلِ، أَوْ أَكْثَرَ بِأَنَّهُمْ إذَا عُرِفُوا بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا كَأَرْضٍ تُعْرَفُ حُدُودُهَا؟ قَالَ إنَّهُمْ لِقَرِيبٍ مِمَّا وَصَفْت قُلْت فَكَيْفَ أَبْطَلْت الصَّدَقَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِيهِمْ؟ قَالَ قَدْ يَهْلَكُونَ وَيَأْبَقُونَ وَتَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُمْ قُلْت فَكُلُّ هَذَا يُدْخِلُ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ قَدْ تُخَرَّبُ الْأَرْضُ بِذَهَابِ الْمَاءِ وَيَأْتِي عَلَيْهَا السَّيْلُ فَيَذْهَبُ بِهَا وَتَنْهَدِمُ الدَّارُ وَيَذْهَبُ بِهَا السَّيْلُ فَمَا كَانَتْ قَائِمَةً فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ، وَلَا جِنَايَةَ لَنَا فِيمَا أَتَى عَلَيْهَا مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْت: وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا جِنَايَةَ لَنَا فِي ذَهَابِهِ، وَلَا نَقْصِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكُلُّ مَا عُرِفَ بِعَيْنِهِ وَقَطَعَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ مِثْلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ جَازَتْ الصَّدَقَةُ فِي الْمَاشِيَةِ قَالَ وَتَتِمُّ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا مَالِكُهَا عَلَى قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَيَجْمَعُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا تَصَدَّقْت بِدَارِي هَذِهِ عَلَى قَوْمٍ، أَوْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ يَوْمَ تَصَدَّقَ بِهَا، أَوْ صِفَتُهُ أَوْ نَسَبُهُ حَتَّى يَكُونَ إنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ لِمَالِكٍ مَلَّكَهُ مَنْفَعَتَهَا يَوْمَ أَخْرَجَهَا وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: صَدَقَةٌ لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، أَوْ يَقُولَ: لَا تُورَثُ، أَوْ يَقُولَ: غَيْرُ مَوْرُوثَةٍ أَوْ يَقُولَ: صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ يَقُولَ: صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا، فَقَدْ حُرِّمَتْ الصَّدَقَةُ فَلَا تَعُودُ مِيرَاثًا أَبَدًا، وَإِنْ قَالَ: صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدِي بِعَيْنِهِ وَلَا نَسَبِهِ ثُمَّ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، أَوْ قَالَ: صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ بَعْدِي بِعَيْنِهِ فَالصَّدَقَةُ مُنْفَسِخَةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى مَالِكِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهَا يَوْمَ يَخْرُجُهَا إلَيْهِ، وَإِذَا انْفَسَخَتْ عَادَتْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا.
وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَارِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَلَمْ يَسْلُبْهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً أَبَدًا، فَإِذَا انْقَرَضَ الرَّجُلُ الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ، أَوْ الْقَوْمُ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا عَلَيْهِمْ كَانَتْ هَذِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً بِحَالِهَا أَبَدًا وَرَدَدْنَاهَا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالرَّجُلِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا يَوْمَ تَرْجِعُ الصَّدَقَةُ إنَّمَا تَصِيرُ غَيْرَ رَاجِعَةٍ مَوْرُوثَةً بِوَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْنَا أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا فَسَخْنَاهَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا فَكَانَتْ حِينَ عُقِدَتْ صَدَقَةً لَا مَالِكَ لِمَنْفَعَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَالِكٍ إلَى غَيْرِ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهَا كَمَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِالْعِتْقِ، وَلَا يَزُولُ عَنْهَا الْمِلْكُ إلَّا إلَى مَالِكِ مَنْفَعَةٍ فِيهَا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ فِي صَدَقَتِهِ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ بَعْضُ مَا قُلْنَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَى تَحْرِيمِهَا مِنْ شَرْطِ الْمُتَصَدِّقِ فَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَاتِ تُمَلَّكُ بِمَا تُمَلَّكُ بِهِ الْأَمْوَالُ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ وَكَالْعُمْرَى، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعَطَايَا. وَسَوَاءٌ فِي الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ يَوْمَ يَتَصَدَّقُ بِهَا إلَى مَالِكٍ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا سَبَّلْت بَعْدَهُ، أَوْ لَمْ تُسَبِّلْ