أَوْسَعَ عَلَيْهِمْ لَا يَقَعُ مَوْقِعَ ضَرَرٍ بَيِّنٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ غَيْرِ مُجَاوِزٍ الْقَدْرَ، وَفِيهِ صَلَاحٌ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِسَبِيلِ اللَّهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَمَا فَضَلَ مِنْ النَّعَمِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ تُرْعَى فِيهِ فَأَمَّا الْخَيْلُ فَقُوَّةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا نَعَمُ الْجِزْيَةِ فَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَسْلَكُ سُبُلِ الْخَيْرِ أَنَّهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ الْمُحَامِينَ الْمُجَاهِدِينَ قَالَ: وَأَمَّا الْإِبِلُ الَّتِي تَفْضُلُ عَنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَيُعَادُ بِهَا عَلَى أَهْلِ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا يَبْقَى مُسْلِمٌ إلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا صَلَاحٌ فِي دِينِهِ وَنَفْسِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ مِنْ قَرِيبٍ، أَوْ عَامَّةٍ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مَا حُمِيَ عَنْ خَاصَّتِهِمْ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً لِعَامَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَقُوَّةً عَلَى مَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَحَمَى الْقَلِيلَ الَّذِي حَمَى عَنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَوَاصِّ قَرَابَاتِهِمْ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ الْحَقَّ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَحْمِ عَنْهُمْ شَيْئًا مَلَكُوهُ بِحَالٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَدْ حَمَى مَنْ حَمَى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَأَمَرَ أَنْ يُدْخِلَ الْحِمَى مَاشِيَةً مِنْ ضَعْفٍ عَنْ النُّجْعَةِ مِمَّنْ حَوْلَ الْحِمَى وَيَمْنَعُ مَاشِيَةً مَنْ قَوِيَ عَلَى النُّجْعَةِ فَيَكُونُ الْحِمَى مَعَ قِلَّةِ ضَرَرِهِ أَعَمَّ مَنْفَعَةً مِنْ أَكْثَرِ مِنْهُ مِمَّا لَمْ يُحْمَ، وَقَدْ حَمَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْضًا لَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَاهَا وَأَمَرَ فِيهَا بِنَحْوٍ مِمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ حَمَى أَنْ يَأْمُرَ بِهِ.
(أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ هُنَيٌّ عَلَى الْحِمَى فَقَالَ لَهُ يَا هُنَيُّ ضُمَّ جَنَاحَك لِلنَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَرَبَّ الْغَنِيمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الْغَنِيمَةِ وَالصَّرِيمَةِ يَأْتِي بِعِيَالِهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَك فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاَيْمُ اللَّهِ لَعَلَى ذَلِكَ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ إنَّهَا لِبِلَادِهِمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا ".
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ " إنَّهُمْ يَرَوْنِي أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ إنَّهَا لَبِلَادُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ إنْ مَنَعْت لِأَحَدٍ مِنْ أَحَدٍ مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا وَأَسْلَمَ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ لَهُ "، وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَوْ كَانَتْ تُمْنَعُ لِخَاصَّةٍ فَلِمَا كَانَ لِعَامَّةٍ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مَظْلِمَةٌ.
وَقَوْلُ عُمَرَ " لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا إنِّي لَمْ أَحْمِهَا لِنَفْسِي، وَلَا لِخَاصَّتِي وَإِنِّي حَمَيْتهَا لِمَالِ اللَّهِ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَتْ مِنْ أَكْثَرِ مَا عِنْدَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَى فَنَسَبَ الْحِمَى إلَيْهَا لِكَثْرَتِهَا، وَقَدْ أَدْخَلَ الْحِمَى خَيْلَ الْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَلَمْ يَكُنْ مَا حَمَى لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ أَوْلَى بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْحِمَى مِمَّا تَرَكَهُ أَهْلُهُ وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا لِتَعْزِيرِ الْإِسْلَامِ، وَأَدْخَلَ فِيهَا إبِلَ الضَّوَالِّ؛ لِأَنَّهَا قَلِيلٌ لِعَوَامَّ مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَأَدْخَلَ فِيهَا مَا فَضَلَ مِنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ عَوَامُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى مَا جَعَلَ مَعَ إدْخَالِهِ مَنْ ضَعُفَ عَنْ النُّجْعَةِ مِمَّنْ قَلَّ مَالُهُ، وَفِي تَمَاسُكِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِمْ غِنًى عَنْ أَنْ يُدْخَلُوا عَلَى أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ هَذَا وَجْهُ عَامِّ النَّفْعِ لِلْمُسْلِمِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ الثِّقَةِ أَحْسَبُهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَوْ غَيْرَهُ عَنْ مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ عُثْمَانَ فِي مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ إذْ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بِكْرَيْنِ وَعَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْفِرَاشِ مِنْ الْحَرِّ فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يَبْرُدَ ثُمَّ يَرُوحَ ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ: اُنْظُرْ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا رَجُلًا مُعَمَّمًا بِرِدَائِهِ يَسُوقُ بِكْرَيْنِ ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ: اُنْظُرْ فَنَظَرْت، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقُلْت هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَامَ عُثْمَانُ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ الْبَابِ فَأَدَّاهُ لَفْحُ السَّمُومِ فَأَعَادَ رَأْسَهُ حَتَّى حَاذَاهُ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ؟