فَقَالَا: وَدِدْنَا فَفَعَلَ وَكَتَبَ لَهُمَا إلَى عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ فَلَمَّا قَدِمَا الْمَدِينَةَ بَاعَا فَرَبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا إلَى عُمَرَ قَالَ لَهُمَا أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كَمَا أَسْلَفَكُمَا؟ فَقَالَا لَا: فَقَالَ عُمَرُ: قَالَ أَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا فَأَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَك هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ نَقَصَ لَضَمِنَّاهُ فَقَالَ أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ نِصْفَ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَلَا تَرَى إلَى عُمَرَ يَقُولُ " أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كَمَا أَسْلَفَكُمَا؟ " كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَرَى أَنَّ الْمَالَ لَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مَعَ رَجُلٍ يُسَلِّفُهُ فَيَبْتَاعُ وَيَبِيعُ إلَّا وَفِي ذَلِكَ حَبْسٌ لِلْمَالِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ عُمَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَرَى أَنَّ الْمَالَ يُبْعَثُ بِهِ، أَوْ يُرْسَلُ بِهِ مَعَ ثِقَةٍ يُسْرِعُ بِهِ الْمَسِيرَ وَيَدْفَعُهُ عِنْدَ مَقْدِمِهِ لَا حَبْسَ فِيهِ، وَلَا مَنْفَعَةَ لِلرَّسُولِ، أَوْ يُدْفَعُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَجْتَازُ إلَيْهِ إلَى ثِقَةٍ يَضْمَنُهُ وَيَكْتُبُ كِتَابًا بِأَنْ يُدْفَعَ فِي الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلِيفَةُ بِلَا حَبْسٍ، أَوْ يُدْفَعَ قِرَاضًا فَيَكُونَ فِيهِ الْحَبْسُ بِلَا ضَرَرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَكُون فَضْلٌ إنْ كَانَ فِيهِ حَبْسٌ إنْ كَانَ لَهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِلْوَالِي الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِمَا فَيُجِيزُ أَمْرَهُ فِيمَا يُمْلَكُ إلَيْهِ فِيمَا يَرَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ " أَدِّيَاهُ وَرِبْحَهُ " فَلَمَّا رَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ جُلَسَائِهِ وَبَعْضُ جُلَسَائِهِ عِنْدَنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَهُ قِرَاضًا رَأَى أَنْ يَفْعَلَ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ رَأَى أَنَّ الْوَالِيَ الْقَائِمُ بِهِ الْحَاكِمُ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى عُمَرَ وَرَأَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُنَفِّذَ مَا صَنَعَ الْوَالِي مِمَّا يُوَافِقُ الْحُكْمَ فَلَمَّا كَانَ لَوْ دَفَعَهُ الْوَالِي قِرَاضًا كَانَ عَلَى عُمَرَ أَنْ يُنَفِّذَ الْحَبْسَ لَهُ وَالْعِوَضَ بِالْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي فَضْلِهِ رَدَّ مَا صَنَعَ الْوَالِي إلَى مَا يَجُوزُ مِمَّا لَوْ صَنَعَهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَرَدَّ مِنْهُ فَضْلَ الرِّبْحِ الَّذِي لَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمَا وَأَنْفَذَ لَهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَدْ كَانَا ضَامِنَيْنِ لِلْمَالِ وَعَلَى الضَّمَانِ أَخَذَاهُ لَوْ هَلَكَ ضَمِنَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ لَوْ هَلَكَ أَوْ نَقَصَ كُنَّا لَهُ ضَامِنِينَ، وَلَمْ يَرُدَّهُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمَا الرِّبْحُ بِالضَّمَانِ، بَلْ جَمَعَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانَ وَأَخَذَ مِنْهُمَا بَعْضَ الرِّبْحِ، فَقَالَ قَائِلٌ: فَلَعَلَّ عُمَرُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَهُمَا، قُلْنَا: أَوَمَا فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ رَاجَعَهُ قَالَ: فَلِمَ أَخَذَ نِصْفَ الرِّبْحِ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ كُلَّهُ؟ قُلْنَا: حَكَمَ فِيهِ بِأَنْ أَجَازَ مِنْهُ مَا كَانَ يَجُوزُ عَلَى الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَالِيَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِمَا عَلَى الْمُقَارَضَةِ جَازَ، فَلَمَّا رَأَى وَمَنْ حَضَرَهُ أَنَّ أَخْذَهُمَا الْمَالَ غَيْرُ تَعَدٍّ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا أَخَذَاهُ مِنْ وَالٍ لَهُ فَكَانَا يَرَيَانِ وَالْوَالِي أَنَّ مَا صَنَعَ جَائِزٌ فَلَمْ يَزْعُمْ وَمَنْ حَضَرَهُ مَا صَنَعَ يَجُوزُ إلَّا بِمَعْنَى الْقِرَاضِ أَنْفَذَ فِيهِ الْقِرَاضَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَافِذًا لَوْ فَعَلَهُ الْوَالِي، أَوْ لَا وَرَدَّ فِيهِ الْفَضْلَ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ، وَلَمْ يَرَهُ يَنْفُذُ لَهُمَا بِلَا مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ.
(أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ فَابْتَاعَ بِهَا الْمَبْعُوثُ مَعَهُ بَعِيرًا ثُمَّ بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: الْأَحَدَ عَشَرَ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَلَوْ حَدَثَ بِالْبَعِيرِ حَدَثٌ كُنْت لَهُ ضَامِنًا.
(أَخْبَرَنَا) الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ (قَالَ: الشَّافِعِيُّ) وَابْنُ عُمَرَ يَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْبِضَاعَةِ لِغَيْرِهِ الضَّمَانَ وَيَرَى الرِّبْحَ لِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ، وَلَا يَجْعَلُ الرِّبْحَ لِمَنْ ضَمِنَ إذَا الْمُبْضَعُ مَعَهُ تَعَدَّى فِي مَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا فِي هَذَا يَجْعَلُ لَهُ الرِّبْحَ، وَلَا أَدْرِي أَيَأْمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ مَعَهُ خَبَرٌ إلَّا تَوَهُّمٌ عَنْ شُرَيْحٍ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَقَاوِيلَ الَّتِي تَلْزَمُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَوْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلِمَ يَخْتَلِفُوا وَقَوْلُهُمْ هَذَا لَيْسَ دَاخِلًا فِي