الام للشافعي (صفحة 888)

وَيَأْبَقُ وَيَمْرَضُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَمْلِكَ مَنْفَعَةً مَغِيبَةً بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مُسَمَّاةٍ؟ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْمُسْلِمُونَ يُنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ، فَإِنْ قُلْت: يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ إنْ كَانَتْ فَهَذَا أَفْسَدُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ وَيَلْزَمُ أَنْ تَفْسُدَ الْإِجَارَةُ كَمَا أَفْسَدَهَا مَنْ عَابَ قَوْلَهُ قَالَ: فَقَدْ يَلْزَمُك فِي هَذَا شَبِيهٌ بِمَا يَلْزَمُنِي فَلَيْسَ يَلْزَمُنِي إذَا زَعَمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ تَجِبُ بِالْقَبْضِ وَأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْلُومَةٌ وَأَنَّهُ لَا قَبْضَ لَهَا إلَّا بِقَبْضِ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا قَبَضْت كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا لِلْمَنْفَعَةِ إنْ سَلِمَتْ الْمَنْفَعَةُ.

وَقَدْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا كُلَّهُ كَمَا أَجَازُوا الْبُيُوعَ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَكَمَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ بِضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ عَيْنٌ، فَلَوْ اشْتَرَيْت مِنْ طَعَامٍ عَيْنٍ مِائَةَ قَفِيزٍ كَانَ صَحِيحًا فَإِنْ أَخَذْت فِي اكْتِيَالِهِ وَاسْتَهْلَكْت مَا اكْتَلْت مِنْهُ وَهَلَكَ بَعْضُ الْمِائَةِ الْقَفِيزِ وَجَبَ عَلَى مَا اسْتَهْلَكْت بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَطَل عَنِّي ثَمَنُ مَا هَلَكَ، فَإِنْ قَالَ: فَالْخِدْمَةُ لَيْسَتْ ثَمَنًا فَهِيَ مَعْلُومَةٌ مِنْ عَيْنٍ لَا يُوصَلُ إلَى أَخْذِهَا لِتُسْتَوْفَى إلَّا بِأَخْذِ الْعَيْنِ فَأَخْذُ الْعَيْنِ بِكَمَالِهَا الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ يُوجِبُ الثَّمَنَ عَلَى شَرْطِ سَلَامَةِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَعْدُو الْإِجَارَةُ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فَعَلَيْهِ دَفْعُهَا، أَوْ تَكُونَ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَالصَّرْفُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَك فِيهَا رِبًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَتْ أَثْمَانُ الْإِجَارَاتِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ جِهَةِ الصَّرْفِ فَيَفْسُدُ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ فِيمَا لَمْ يَجِبْ رِبًا قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنَّ الْإِجَارَةَ وَاجِبَةٌ وَثَمَنَهَا وَاجِبٌ فَلَا يَكُونُ رِبًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا فَلْيَدْفَعْهُ قَالَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهُمْ يَرْوُونَ عَنْ عُمَرَ، أَوْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ صَارَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عُمَرَ فَهُوَ مُوَافِقٌ قَوْلَنَا وَحُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ

قَالَ: وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّارَ مِنْ الرَّجُلِ فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْتَرِي وَلَا الْمُكْرَى، وَلَا بِحَالٍ أَبَدًا مَا دَامَتْ الدَّارُ قَائِمَةً، فَإِذَا دَفَعَ الدَّارَ إلَى الْمُكْتَرِي كَانَ الْكِرَاءُ لَازِمًا لِلْمُكْتَرِي كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ عُقْدَةِ الْكِرَاءِ أَنَّهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ إلَيْهِ كَالْبُيُوعِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ تُفْسَخُ الْإِجَارَاتُ بِمَوْتِ أَيِّهِمَا مَاتَ وَيَفْسَخُهَا بِالْعُذْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاءَ يَفْسَخُهَا بِهَا قَدْ يَكُونُ مِثْلَهَا، وَلَا يَفْسَخُهَا بِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ أَقُلْت هَذَا بِخَبَرٍ؟ قَالَ: رَوَيْنَا عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَلْقَى الْمِفْتَاحَ بَرِئَ فَقِيلَ: لَهُ أَكَذَا نَقُولُ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ فَشُرَيْحٌ لَا يَرَى الْإِجَارَةَ لَازِمَةً وَيَرَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخَهَا بِلَا مَوْتٍ، وَلَا عُذْرٍ قَالَ: هَكَذَا قَالَ: شُرَيْحٌ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ قِيلَ فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا تُخَالِفُ فِيهِ وَتَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؟ قَالَ: فَمَا عِنْدَنَا فِيهِ خَبَرٌ، وَلَكِنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يَتَكَارَى رَجُلٌ مَنْزِلًا يَسْكُنُهُ فَيَمُوتُ وَوَلَدُهُ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيُقَالُ إنْ شِئْتُمْ فَاسْكُنُوهُ وَهُمْ أَيْتَامٌ وَيَقْبُحُ أَنْ يَمُوتَ الْمُؤَجِّرُ فَيَتَحَوَّلُ مِلْكُ الدَّارِ لِغَيْرِهِ فَتَكُونُ الدَّارُ لِوَلَدِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَيَسْكُنُهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ لَا أَمْرَ لَهُ حِينَ مَاتَ فَقِيلَ لَهُ: أَوْ يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ إلَّا بِمُلْكِ الْمَيِّت؟ قَالَ: لَا قِيلَ: أَفَيَزِيدُ الْوَارِثُ أَبَدًا عَلَى أَنْ يَقُومَ إلَّا مَقَامَ الْمَيِّتِ فِيهَا؟ قَالَ: لَا قُلْنَا فَالْمَيِّتُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَفْسَخَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ عَنْ دَارِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا عِنْدَك مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: أَفَيَكُونُ الْوَارِثُ الَّذِي إنَّمَا مَلَكَ عَنْ الْمَيِّتِ الْكُلَّ، أَوْ الْبَعْضَ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْمَالِكِ؟ .

قَالَ: فَهَلْ رَأَيْت مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ عَلَى مَنْ انْتَقِلْ إلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ؟ قُلْنَا الَّذِي وَصَفْنَا لَك مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَمْلِكُ كَافٍ لَك مِنْهُ وَنَحْنُ نُوجِدُك مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْنَا: أَرَأَيْت رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا دَارًا تَسْوَى أَلْفًا بِمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ أَيَنْفَسِخُ الرَّهْنُ؟ قَالَ: لَا. قُلْنَا وَلِمَ، وَقَدْ انْتَقَلَ مِلْكُ الدَّارِ فَصَارَ لِلْوَارِثِ؟ قَالَ: إنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ كَمَا كَانَ يَمْلِكُهَا الْمَيِّتُ وَالْمَيِّتُ قَدْ أَوْجَبَ فِيهَا حَقًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُهُ إلَّا بِإِيفَاءِ الْغَرِيمِ حَقَّهُ فَالْوَارِثُ أَوْلَى أَنْ لَا يَفْسَخَهُ، قُلْنَا فَلَا نَسْمَعُك تَقْبَلُ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْك فِي الْإِجَارَةِ وَتَحْتَجُّ بِهِ فِي الرَّهْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَارِكًا لِلْحَقِّ فِي رَدِّهِ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015