كِتَابُ الشُّفْعَةِ " (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مَعْقُودَةً عَلَى الثَّوَابِ فَهُوَ كَمَا قَالَ إذَا أُثِيبَ مِنْهَا ثَوَابًا قِيلَ لِصَاحِبِ الشُّفْعَةِ إنْ شِئْت فَخُذْهَا بِمِثْلِ الثَّوَابِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْ، وَإِذَا كَانَتْ الْهِبَةُ عَلَى غَيْرِ ثَوَابٍ فَأُثِيبَ الْوَاهِبُ فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا وُهِبَ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا بِيعَ وَالْمُثِيبُ مُتَطَوِّعٌ بِالثَّوَابِ فَمَا بِيعَ، أَوْ وُهِبَ عَلَى ثَوَابٍ فَهُوَ مِثْلُ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يُثَابَ فَهُوَ عِوَضٌ مِنْ الْهِبَةِ مَجْهُولٌ فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَهُوَ بِالْبَيْعِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَهَكَذَا هَذَا لَمْ يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْمَجْهُولِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ فَإِنَّ هَذَا كَالْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا، أَوْ حُرًّا عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ فَكُلُّ مَا مَلَكَ بِهِ مِمَّا فِيهِ عِوَضٌ فَلِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِالْعِوَضِ، وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ شِقْصًا فِيهِ شُفْعَةٌ إلَى أَجَلٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَتَطَوَّعْ بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَعَجَّلْ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ثُمَّ خُذْ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَرْضَى بِأَمَانَةِ رَجُلٍ فَيَتَحَوَّلَ عَلَى رَجُلٍ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَمْلَأَ مِنْهُ، قَالَ: وَلَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ عَنْ الْغَائِبِ طُولُ الْغَيْبَةِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا عَنْهُ أَنْ يَعْلَمَ فَيَتْرُكَ الشُّفْعَةَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا فِيهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَكِيلِهِ.
قَالَ: وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ ثُمَّ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ رَجُلَانِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلُودُ لَهُ وَدَارُهُمْ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ فَبِيعَ مِنْ الْمَيِّتِ حَقُّ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَخُوهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ عُمُومَتِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ أَصْلُ سَهْمِهِمْ هَذَا فِيهَا وَاحِدٌ، فَلَمَّا كَانَ إذَا قُسِمَ أَصْلُ الْمَالِ كَانَ هَذَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الْأَصْلِ دُونَ عُمُومَتِهِمَا فَأَعْطَيْته الشُّفْعَةَ بِأَنَّ لَهُ شِرْكًا دُونَ شِرْكِهِمْ، وَهَذَا قَوْلٌ لَهُ وَجْهٌ
وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ أَنَا إذَا ابْتَدَأْت الْقَسْمَ جَعَلْت لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمًا.
وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَهْمِ صَاحِبِهِ فَهُمْ جَمِيعًا شُرَكَاءُ شَرِكَةً وَاحِدَةً فَهُمْ شَرْعٌ فِي الشُّفْعَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ فِي الْقِيَاسِ قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَبَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ فَأَرَادَ شُرَكَاؤُهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَصَاحِبَ السُّدُسِ يَأْخُذُ سَهْمًا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ مِنْ الدَّارِ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجْعَلُ الشُّفْعَةَ بِالْمِلْكِ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِلْكًا مِنْ صَاحِبِهِ انْبَغَى بِقَدْرِ كَثْرَةِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا وَجْهٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُمَا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ شُفْعَةً مِنْ الدَّارِ فَيُبَاعُ نِصْفُهَا، أَوْ مَا خَلَا حَقَّهُ مِنْهَا فَيُرِيدُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَيُقَالُ لَهُ خُذْ الْكُلَّ، أَوْ دَعْ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ قَلِيلِ الْمَالِ فِي الشُّفْعَةِ حُكْمَ كَثِيرِهِ كَانَ الشَّرِيكَانِ إذَا اجْتَمَعَا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمِلْكِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ.