وَفِي الْآثَارِ فَإِنَّمَا يُسْتَدْرَكُ عَدَدُهَا خَبَرًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ، وَهُمْ عِنْدَنَا مُخَالِفُونَ الْمُسْلِمَ؟ فَكَذَلِكَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْعَبْدِ وَهِيَ قِيمَتُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ فِي شَيْءٍ غَيْرِ هَذَا؟ قِيلَ نَعَمْ بَيْنَ الْعَبِيدِ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَعِنْدَنَا فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ لَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَعَلَى الْعَبِيدِ فَرَائِضُ اللَّهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَتَحْلِيلِ الْحَلَالِ وَفِيهِمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْبَهَائِمِ.
فَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ لَمْ تَعْقِلْ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ، وَلَا سَيِّدُهُ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي عُنُقِهِ دُونَ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ يُبَاعُ فِيهَا فَيُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دِيَتُهُ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ الدِّيَةَ بَطَلَ مَا بَقِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا كَانَتْ فِي عُنُقِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَتَرْكُ أَنْ يَضْمَنَ سَيِّدُهُ عَنْهُ وَالْعَاقِلَةُ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا حِكْمَةٌ بِالْجَانِي لَا بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ ثَمَنَ الْعَبْدِ إذَا قَتَلَ الْحُرَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَا تَضْمَنُ ذَلِكَ عَنْهُ وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءً فِي عُنُقِهِ كَانَتْ كَذَلِكَ جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَانَ الْحُرُّ يَعْقِلُ عَنْهَا كَمَا تَعْقِلُ عَنْهُ.
قَالَ: وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فَتَعَدَّى بِهَا إلَى غَيْرِهِ فَعَطِبَتْ فِي التَّعَدِّي أَوْ بَعْدَ مَا رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى مَالِكِهَا فَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ لَا يَخْرُجُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا بِأَنْ يُوصِلَهَا إلَى مَالِكِهَا سَالِمَةً وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ مِنْ حَيْثُ تَعَدَّى بِهَا مَعَ الضَّمَانِ. قَالَ: وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ مِنْ مِصْرَ إلَى أَيْلَةَ فَتَعَدَّى بِهَا إلَى مَكَّةَ فَمَاتَتْ بِمَكَّةَ وَقَدْ كَانَ قَبَضَهَا مِنْ رَبِّهَا ثَمَنَ عَشَرَةٍ فَنَقَصَتْ فِي الرُّكُوبِ حَتَّى صَارَتْ بأيلة ثَمَنَ خَمْسَةٍ ثُمَّ سَارَ بِهَا عَنْ أَيْلَةَ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَدَّى بِهَا مِنْهُ فَيَأْخُذُ كِرَاءَهَا إلَى أَيْلَةَ الَّذِي أَكْرَاهَا بِهِ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا مِنْ أَيْلَةَ خَمْسَةً وَيَأْخُذُ فِيمَا رَكِبَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إلَى مَكَّةَ كِرَاءَ مِثْلِهَا لَا عَلَى حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ.
قَالَ: وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَتَّى أَبْلَاهُ وَذَهَبَ؛ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ عَلَى الْوَاهِبِ فَالْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْوَاهِبَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ إتْلَافِ مَالِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِمِثْلِ طَعَامِهِ أَوْ قِيمَةِ ثَوْبِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا كَانَتْ هِبَتُهُ إيَّاهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَيَأْخُذُ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِمِثْلِ طَعَامِهِ وَقِيمَةِ ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لَهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ بِهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنْ يَرْجِعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ، وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ عِوَضًا فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ غَرَّهُ مِنْ أَمْرٍ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ. قَالَ: وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ ثَوْبًا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَلَبِسَهُ فَأَخْلَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ آخَرُ أَخَذَهُ وَقِيمَةَ مَا نَقَصَهُ اللُّبْسُ مِنْ يَوْمِ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ أَوْ مِنْ الْآخِذِ لِثَوْبِهِ.
فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ، وَكَانَ النَّقْصُ كُلُّهُ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى مَنْ أَعَارَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّقْصَ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ، وَلَمْ يَغُرَّ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ فَيَرْجِعُ بِهِ، وَإِنْ ضَمِنَهُ الْمُعِيرُ غَيْرُ اللَّابِسِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ، قَالَ: لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى اللُّبْسِ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْحِجَازِيِّينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْآثَارِ وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غَيْرَ أَنَّ مَكَانَ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ تَكَارَى الثَّوْبَ كَانَ