الام للشافعي (صفحة 793)

يُؤْخَذَ عَنْهُ، وَكَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَإِذَا قَامُوا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ أَوْ يُبْرِئُوهُ مِنْهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَرْهَنَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِصَاحِبِ الْمَالِ كَانَ فِي الْمُقَارَضَةِ فَضْلٌ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا مِلْكُ الْمُقَارِضِ الرَّاهِنِ شَيْئًا مِنْ الْفَضْلِ شَرْطُهُ لَهُ إنْ سَلِمَ حَتَّى يَصِيرَ رَأْسُ مَالِ الْمُقَارَضِ إلَيْهِ أَخَذَ شَرْطَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَنْ يَرْهَنَ الْعَبْدَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَهُوَ كُلُّهُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ لَا يُفَكُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ.

وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ فَكَّ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَهُوَ مَفْكُوكٌ وَيُجْبَرُ عَلَى فَكِّ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فِي الْعَبْدِ إنْ شَاءَ ذَلِكَ شَرِيكُهُ فِيهِ، وَإِنْ فَكَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهُ فَهُوَ مَفْكُوكُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى حَقِّهِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ شَرِيكُ الْعَبْدِ لِشَرِيكِهِ فِي أَنْ يَرْهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَرَهَنَ الْعَبْدَ فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ وَنِصْفُ شَرِيكِهِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي رَهْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ غَيْرُ مَرْهُونٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَعَدَّى فَرَهَنَ عَبْدَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَهْنًا، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَا يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَجُوزُ رَهْنُ الِاثْنَيْنِ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا أَمَةً فَوَلَدَتْ أَوْ حَائِطًا فَأَثْمَرَ أَوْ مَاشِيَةً فَتَنَاتَجَتْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ وَلَدُ الْجَارِيَةِ، وَلَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ، وَلَا ثَمَرَةُ الْحَائِطِ رَهْنًا، وَلَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ شَيْءٌ لَمْ يَرْهَنْهُ مَالِكُهُ قَطُّ، وَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ حَقًّا لِأَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَلَدُ تَبَعًا فِي الْبُيُوعِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ لَمْ يَحْدُثْ قَطُّ إلَّا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَتَبَعًا فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ كَانَ، وَلَمْ يُولَدْ الْمَمْلُوكُ فَلَمْ يَصِرْ إلَى أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَى حُكْمِ الْحَيَاةِ الظَّاهِرِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأُمِّهِ وَهُوَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ. وَثَمَرُ الْحَائِطِ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ، وَإِذَا أُبِّرَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْعِتْقُ وَالْبَيْعُ مُخَالِفٌ لِلرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ فَقَدْ حَوَّلَ رَقَبَةَ الْأَمَةِ وَالْحَائِطَ وَالْمَاشِيَةَ مِنْ مِلْكِهِ وَحَوَّلَهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ؟ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ لِشَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ وَمَلَكَتْ نَفْسَهَا، وَالرَّهْنُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ مِلْكِهِ قَطُّ هُوَ فِي مِلْكِهِ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحَوَّلٌ دُونَهُ بِحَقٍّ حَبَسَهُ بِهِ لِغَيْرِهِ أَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا كَانَ الْعَبْدُ لَهُ، وَقَدْ أَجَّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِمَنْفَعَتِهِ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي شُرِطَتْ لَهُ مِنْ مَالِكِ الْعَبْدِ وَالْمِلْكُ لَهُ، وَكَمَا لَوْ آجَرَ الْأَمَةَ فَتَكُونُ مُحْتَبَسَةً عَنْهُ بِحَقٍّ فِيهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا لَمْ تَدْخُلْ الْأَوْلَادُ فِي الْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ الْأَوْلَادُ فِي الرَّهْنِ، وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الرَّجُلِ عَنْ الرَّجُلِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الضَّمَانِ إلَّا مَنْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِ وَوَلَدُ الْأَمَةِ وَنِتَاجُ الْمَاشِيَةِ وَثَمَرُ الْحَائِطِ مِمَّا لَمْ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ قَطُّ.

وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَضَى فِيمَنْ ارْتَهَنَ نَخْلًا مُثْمِرًا فَلْيَحْسِبْ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ شَبِيهًا بِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَحْسَبُ مُطَرِّفًا قَالَهُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ عَامِ حَجِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا كَلَامٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ رَهْنًا أَوْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا وَيَكُونَ الرَّاهِنُ سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَاقْتِضَائِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا تَرَاضَيَا أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فَتَأَدَّاهَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَنَعُوا هَذَا مُتَقَدِّمًا فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيُشْبِهُ هَذَا لِقَوْلِهِ مِنْ عَامِ حَجِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْلَ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظُهُورِ حُكْمِهِ فَرَدَّهُمْ إلَى أَنْ لَا تَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَاهِرٌ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ وَصَارَ إلَى التَّأْوِيلِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ إلَّا جَازَ عَلَيْهِ وَكُلٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنًى لَا يُخَالِفُ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ رَهْنًا مَعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015