(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ ذَلِكَ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فَضْلَ ذَلِكَ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ صَارَ يَمْلِكُ أَنْ يَمْنَعَ رَقَبَتَهُ حَتَّى تُبَاعَ فَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ سَأَلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَنْ يَزِيدَهُ أَلْفًا وَيَجْعَلَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ رَهْنًا بِهَا مَعَ الْأَلْفِ الْأُولَى فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ، وَكَانَ مَرْهُونًا بِالْأَلْفِ الْأُولَى وَغَيْرَ مَرْهُونٍ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَهْنًا بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ الْأُولَى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ مِنْ مَنْعِ رَقَبَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَا غُرَمَائِهِ إلَّا مَا اسْتَحَقَّ أَوَّلًا، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الرَّجُلَ يَتَكَارَى الْمَنْزِلَ سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهُ السَّنَةَ الَّتِي تَلِيهَا بِعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الْأُولَى غَيْرُ السَّنَةِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ انْهَدَمَ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى رَجَعَ بِالْعِشْرِينِ الَّتِي هِيَ حَظُّ السَّنَةِ الْآخِرَةِ، وَهَذَا رَهْنٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنَانِ فِيهِ إلَّا مَعًا لَا مُفْتَرِقَيْنِ، وَلَا أَنْ يَرْهَنَ مَرَّتَيْنِ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُفْسَخَ كَمَا لَا يَجُوزُ مَرَّتَيْنِ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهَا تِلْكَ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا بِعِشْرِينَ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ الْأَوَّلَ، وَلَا يَبْتَاعَهَا بِمِائَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِمِائَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَيُجَدِّدَ بَيْعًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ لَهُ الرَّهْنُ الْآخَرُ مَعَ الْأَوَّلِ فَسَخَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ وَجَعَلَ الرَّهْنَ بِأَلْفَيْنِ.
وَلَوْ لَمْ يَفْسَخْ الرَّهْنَ وَأَشْهَدَ الْمُرْتَهِنَ أَنَّ هَذَا الرَّهْنَ بِيَدِهِ بِأَلْفَيْنِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَكَانَ الرَّهْنُ بِأَلْفَيْنِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ فَإِذَا تَصَادَقَا بِأَنَّ هَذَا رَهْنٌ ثَانٍ بَعْدَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يُفْسَخْ لِمَا وَصَفْتُ، وَكَانَ رَهْنًا بِالْأَلْفِ، وَكَانَتْ الْأَلْفُ الْأُخْرَى بِغَيْرِ رَهْنٍ، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بِهَا بَعْدُ شَيْئًا جَازَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَادَهُ أَلْفًا أُخْرَى وَرَهَنَهُ بِهِمَا رَهْنًا كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا، وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وَرَهَنَهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ: لَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ اجْعَلْ لِي الْأَلْفَ الَّتِي قَبْلَ هَذَا رَهْنًا مَعَهَا فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِمَا وَصَفْتُ مِنْ فَسْخِ الرَّهْنِ وَتَجْدِيدِ رَهْنٍ بِهِمَا مَعًا. وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ قَالَ: لَهُ زِدْنِي أَلْفًا عَلَى أَنْ أَرْهَنَك بِهِمَا مَعًا رَهْنًا يَعْرِفَانِهِ فَفَعَلَ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الْآخِرَةَ عَلَى زِيَادَةِ رَهْنٍ فِي الْأُولَى، وَلَوْ كَانَ قَالَ: بِعْنِي عَبْدًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك بِهَا وَبِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِلَا رَهْنٍ دَارِي رَهْنًا فَفَعَلَ كَانَ الْبَيْعُ مَفْسُوخًا، وَإِذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي سَلَفٍ أَوْ حِصَّةٌ مِنْ بَيْعٍ مَجْهُولَةٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا بِأَلْفٍ، وَقَبَضَهُ ثُمَّ زَادَهُ رَهْنًا آخَرَ مَعَ رَهْنِهِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ كَانَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ وَالرَّهْنَ الْآخَرَ زِيَادَةٌ مَعَهُ، لَمْ تَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حَتَّى جَعَلَهَا لَهُ الرَّاهِنُ فَكَانَ جَائِزًا كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ بِرَهْنِهِ بِهِ شَيْئًا فَيَجُوزُ.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ لِمَالِكِهِ الرَّاهِنِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّكُوبَ وَالْحَلْبَ مَنْ مَلَكَ الرَّقَبَةَ وَالرَّقَبَةُ غَيْرُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ، وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا أَوْ دَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَسُكْنَى الدَّارِ، وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ وَخِدْمَتُهُ لِلرَّاهِنِ، وَكَذَلِكَ مَنَافِعُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ أَنَّ لَهُ سُكْنَى الدَّارِ أَوْ خِدْمَةَ الْعَبْدِ أَوْ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ أَوْ