اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا أَرَادَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ يَحْلِفُ وَيَسْتَوْجِبَانِ حُقُوقَهُمَا وَالْحَاجَةُ فِي الْعَرِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا تَكُونُ الْعَرَايَا إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ خَرْصُ شَيْءٍ غَيْرُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ كُلَّهُ عَرَايَا إذَا كَانَ لَا يَبِيعُ وَاحِدًا مِنْهُمْ إلَّا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
ِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) : قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : سَمِعْت سُفْيَانَ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ كَثِيرًا فِي طُولِ مُجَالَسَتِي لَهُ لَا أُحْصِي مَا سَمِعْته يُحَدِّثُهُ مِنْ كَثْرَتِهِ لَا يُذْكَرُ فِيهِ أَمْرٌ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ لَا يَزِيدُ عَلَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ سُفْيَانُ وَكَانَ حُمَيْدٌ يَذْكُرُ بَعْدَ بَيْعِ السِّنِينَ كَلَامًا قَبْلَ وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَا أَحْفَظُهُ فَكُنْت أَكُفُّ عَنْ ذِكْرِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ لِأَنِّي لَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ الْكَلَامُ وَفِي الْحَدِيثِ أَمْرٌ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) : قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) : قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ «ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَالَجَهُ وَأَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ، فَأَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ لَهُ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ مَا حَكَيْت فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْهُ سُفْيَانُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِوَضْعِهَا عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ وَعَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا حَضًّا عَلَى الْخَيْرِ لَا حَتْمًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ غَيْرُهُ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْحَدِيثُ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَيِّهِمَا أَوْلَى بِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا أَنْ نَحْكُمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى النَّاسِ بِوَضْعِ مَا وَجَبَ لَهُمْ بِلَا خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَثْبُتُ بِوَضْعِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ عَمْرَةَ مُرْسَلٌ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُ مُرْسَلًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَمْرَةَ كَانَتْ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا تُوضَعَ الْجَائِحَةُ لِقَوْلِهَا قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا» وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ الْجَائِحَةَ لَكَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ حَلَفَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ قِيلَ هَذَا يَلْزَمُك أَنْ تُؤَدِّيَهُ إذَا امْتَنَعْت مِنْ حَقٍّ فَأُخِذَ مِنْك بِكُلِّ حَالٍ.
(قَالَ) : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الثَّمَرَةَ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَلَا نَحْكُمُ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا.
(قَالَ) : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ وَهَنَ حَدِيثُهُ بِمَا وَصَفْت وَثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ وَضَعَتْ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُصِيبَ مِنْ السَّمَاءِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ فَأَمَّا أَنْ يُوضَعَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَا يُوضَعُ مَا دُونَ الثُّلُثِ فَهَذَا لَا خَبَرَ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَعْقُولَ.
(قَالَ) : وَلَوْ صِرْت إلَى وَضْعِ الْجَائِحَةِ مَا كَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهَا إلَّا اتِّبَاعَ الْخَبَرِ لَوْ ثَبَتَ وَلَا أَقُولُ قِيَاسًا عَلَى الدَّارِ إذَا تَكَارَاهَا سَنَةً أَوْ أَقَلَّ فَأَقْبَضَهَا عَلَى الْكِرَاءِ فَتَنْهَدِمُ الدَّارُ وَلَمْ يَمْضِ مِنْ السَّنَةِ إلَّا يَوْمٌ أَوْ قَدْ