مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَا اشْتَرَى، وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بَيْنَهُمَا. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْرِفَ الرَّجُلُ مِنْ الصَّرَّافِ دَرَاهِمَ، فَإِذَا قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا، أَوْدَعَهُ إيَّاهَا، وَإِذَا صَرَفَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ صَرَفَ مِنْهُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ وَلَا يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ يُوَكِّلُ هَذَا بِأَنْ يُصَارِفَهُ وَلَا بَأْسَ إذَا صَرَفَ مِنْهُ وَتَقَابَضَا أَنْ يَذْهَبَا فَيَزِنَا الدَّرَاهِمَ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ هُوَ عَلَى الِانْفِرَادِ فَيَزِنُهَا.
وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الدِّينَارَ عِنْدَ رَجُلٍ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ بَاعَهُ الدِّينَارَ بِدَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا مِنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا، وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عِنْدَ الرَّجُلِ دَنَانِيرُ وَدِيعَةً فَصَارَفَهُ فِيهَا وَلَمْ يُقِرَّ الَّذِي عِنْدَهُ الدَّنَانِيرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا حَتَّى يَكُونَ ضَامِنًا وَلَا أَنَّهَا فِي يَدِهِ حِينَ صَارَفَهُ فِيهَا فَلَا خَيْرَ فِي الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَا حَاضِرٍ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَلَكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ رَهْنًا فَتَرَاضَيَا أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ الرَّهْنَ وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ إنْ كَانَ الرَّهْنُ دَنَانِيرَ فَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا دَرَاهِمَ أَوْ عَبْدًا فَأَعْطَاهُ مَكَانَهُ عَبْدًا آخَرَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا بَيْعٌ فَيُكْرَهُ فِيهِ مَا يُكْرَهُ فِي الْبُيُوعِ، وَلَا نُحِبُّ مُبَايَعَةَ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ الرِّبَا أَوْ ثَمَنُ الْمُحَرَّمِ مَا كَانَ أَوْ اكْتِسَابُ الْمَالِ مِنْ الْغَصْبِ وَالْمُحَرَّمِ كُلِّهِ، وَإِنْ بَايَعَ رَجُلٌ رَجُلًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ أَفْسَخْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ يَمْلِكُونَ حَلَالًا فَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَلَا نُحَرِّمُ حَرَامًا بَيِّنًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ حَرَامًا يَعْرِفُهُ، أَوْ بِثَمَنٍ حَرَامٍ يَعْرِفُهُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ، الْحَرَامُ كُلُّهُ حَرَامٌ.
(وَقَالَ) : لَا يُبَاعُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ مَعَ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ شَيْءٌ غَيْرُ الذَّهَبِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَهَبٌ وَثَوْبٌ بِدَرَاهِمَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا تَوَاعَدَ الرَّجُلَانِ الصَّرْفَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلَانِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بِهَا مَا شَاءَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْفِضَّةَ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا رَجُلًا آخَرَ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِكُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ قَالَ أُشْرِكُك عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِي حَتَّى نَبِيعَهَا لَمْ يَجُزْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ بَاعَ رَجُلًا ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثَوْبًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ حَالَّيْنِ أَوْ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ فَلَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْبَيْعَةِ الْآخِرَةِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارًا فَالشَّرْطُ جَائِزٌ، وَإِنْ قَالَ دِينَارًا لَا يُعْطِيهِ نِصْفَيْنِ وَلَكِنْ يُعْطِيهِ وَاحِدًا جَازَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى وَلَمْ تَجُزْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا الشَّرْطَ ثُمَّ أَعْطَاهُ دِينَارًا وَافِيًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ذَهَبٌ مَصْنُوعٌ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ بِوَزْنِهِ أَوْ مِثْلِ وَزْنِهِ ذَهَبًا يَتَقَابَضَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ، وَمَنْ صَرَفَ مِنْ رَجُلٍ صَرْفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ بَعْضَهُ وَيَدْفَعَ مَا قَبَضَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَوْ يَأْمُرَ الصَّرَّافَ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِيَهُ إلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا حَتَّى يَقْبِضَا جَمِيعَ مَا بَيْنَهُمَا أَرَأَيْت لَوْ صَرَفَ مِنْهُ دِينَارًا بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ مِنْهُ عَشْرَةً، ثُمَّ قَبَضَ مِنْهُ بَعْدَهَا عَشْرَةً قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَلَا بَأْسَ بِهَذَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ فِضَّةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْفٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ سِتَّةً وَقَالَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ بِاَلَّذِي عِنْدِي وَنِصْفٌ وَدِيعَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِأَنْ يَصْرِفَ لَهُ شَيْئًا أَوْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ لَهُ فَلَمْ يُوَكِّلْهُ بِأَنْ يَبِيعَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِفُلَانٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ بِغَيْرِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا صَرَفَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدِّينَارَ بِعَشْرَةٍ فَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةً وَنِصْفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَكَانَ النِّصْفِ نِصْفَ فِضَّةٍ إذَا كَانَ فِي بَيْعِهِ غَيْرُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ نِصْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ حَادِثٌ غَيْرُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ عَقَدَ عُقْدَةَ الْبَيْعِ عَلَى ثَوْبٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ بِدِينَارٍ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ مَقْسُومٌ عَلَى نِصْفِ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ صَرَفَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَعَجَزَتْ.