عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ وَكَانَ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ بَعْدَهَا تَفَرُّقٌ أَوْ خِيَارٌ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَا لَهُ مَعْنَى يَصِحُّ غَيْرُهَا قَالَ أَمَّا إنَّهُ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ قُلْتُ أَجَلْ فَلِمَ اسْتَعَنْتَ بِهِ؟ قَالَ: فَعَارَضَنَا غَيْرُ هَذَا بِأَنْ قَالَ فَأَقُولُ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثَابِتَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا يُخَالِفُهَا لَمْ يَجُزْ لِلْعَالِمِ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُزَالُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَيَشُدُّهُ أَحَادِيثُ مَعَهُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ؟ .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ يُخَالِفُ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَيْنِ مُتَبَايِعَانِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى التَّبَايُعِ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَارُ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُمَا مِمَّا يُعْقَدُ بِهِ الْبَيْعُ مُخْتَلِفَةً تَنْقُضُ أَصْلَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَّا لِلْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ وَحَدِيثُ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي ثَمَنٍ وَلَا ادِّعَاءٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْقُضُهُ إنَّمَا أَرَادَ تَحْدِيدَ نَقْضِ الْبَيْعِ بِشَيْءٍ جُعِلَ لَهُمَا مَعًا وَإِلَيْهِمَا إنْ شَاءَا فَعَلَاهُ، وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ غَلِطَ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا لَمْ يُجِزْ لَهُ الْخِيَارُ لَهُمَا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ مَقَامِهِمَا، فَإِنْ قَالَ فَمَا يُغْنِي فِي الْبَيْعِ اللَّازِمِ بِالصَّفْقَةِ أَوْ التَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ؟ قِيلَ لَوْ وَجَبَ بِالصَّفْقَةِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ التَّفَرُّقِ وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَهُمَا وَمَعْنَى خِيَارِهِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ كَمَعْنَى الصَّفْقَةِ وَالتَّفَرُّقِ وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ وَجَازَ أَنْ يُطْرَحَ كُلُّ حَدِيثٍ أَشْبَهَ حَدِيثًا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ لِحُرُوفٍ أُخُرَ مِثْلِهِ، وَإِنْ وُجِدَ لَهُمَا مَحْمَلٌ يُخَرَّجَانِ فِيهِ فَجَازَ عَلَيْهِ لِبَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ مَا هُوَ أَوْلَى أَنْ يَحُوزَ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ الْجُزَافُ بِالْكَيْلِ مِنْ جِنْسِهَا وَعَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَحَرَّمْنَا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَزَعَمْنَا نَحْنُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَرَايَا حَلَالٌ بِإِحْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ مَعْنًى يُخَرَّجَانِ عَلَيْهِ وَلَجَازَ هَذَا عَلَيْنَا فِي أَكْثَرِ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَخَالَفَنَا بَعْضُ مَنْ وَافَقَنَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ فَقَالَ الْخِيَارُ إذَا وَقَعَ مَعَ الْبَيْعِ جَازَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْقِيَاسِ إذَا كَانَتْ بَيْعًا فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَتَفَرُّقُهُمَا شَيْءٌ غَيْرُ عَقْدِ الْبَيْعِ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ يَجِبُ بِالْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ كَمَا كَانَ التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ بَعْدَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَيَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ» لِأَنِّي لَوْ كُنْتُ إذَا بِعْتُ رَجُلًا سِلْعَةً تَسْوَى مِائَةَ أَلْفٍ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا ضَرَّنِي أَنْ يَبِيعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً خَيْرًا مِنْهَا بِعَشْرَةٍ، وَلَكِنْ فِي نَهْيِهِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ