أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، كَانَ مَنْ نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مِثْلَهُ، وَمَا زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ فَأُحْصِرَ. وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ، قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ الَّتِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بِالْهَدْيِ وَلَا تَأْمُرُ بِهِ هَذَا؟ قُلْت: آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا لَمْ يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بِالْهَدْيِ.
(قَالَ) : وَإِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ أَوْ وَاجِبٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ تَطَوُّعٍ نَاسِيًا، فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَإِذَا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَلَيْسَ بِصَائِمٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ. فَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ. وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ فُلَانٌ، فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ قَدِمَ فِي اللَّيْلِ وَلَمْ يَقْدُمْ فِي النَّهَارِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ صَامَهُ. وَلَوْ قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا، وَقَدْ أَفْطَرَ الَّذِي نَذَرَ الصَّوْمَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ، وَالنَّذْرُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهَذَا احْتِيَاطٌ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَائِمًا عَنْ نَذْرِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أَنَّ جَائِزًا أَنْ يَصُومَ، وَلَيْسَ هُوَ كَيَوْمِ الْفِطْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ بَعْدَ مَقْدِمِ فُلَانٍ فَقُلْنَا: عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ مِنْ الْأَوَّلِ. وَلَوْ أَصْبَحَ فِيهِ صَائِمًا مَنْ نَذْرٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِ نَذْرِهِ وَقَضَائِهِ وَيَعُودُ لِصَوْمِهِ لِمَقْدِمِ فُلَانٍ. وَلَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ التَّشْرِيقِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ طَاعَةٌ فَلَا يَقْضِي مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْم الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ أَبَدًا، فَقَدِمَ فُلَانٌ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ وَصَوْمَ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ. فَإِنْ تَرَكَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصُومُ وَلَا يَقْضِيهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِهِ وَصَامَهُ فِي رَمَضَانَ. كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ وَلَمْ يَصُمْهُ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يَقْضِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَدِمَ فُلَانٌ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا، وَقَضَى كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا أُوجِبَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَا شَيْءَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَكَانَ النَّاذِرُ امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وَتَقْضِي كُلَّ مَا مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْضِهَا. وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أَوْ أَيَّامَ حَيْضِي، فَلَيْسَ عَلَيْهَا صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ حَائِضٌ.
وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا، فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ، وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا الْوِتْرُ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يُجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ، «وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ» ، وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) فَلَمَّا كَانَتْ رَكْعَةٌ صَلَاةً وَنَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً، كَانَتْ رَكْعَةٌ صَلَاةً بِمَا ذَكَرْنَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أَجْزَأَ.