وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَهِشَامُ بْنُ حُجَيْرٍ سَمِعُوا طَاوُسًا يَقُولُ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يُسَمِّي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَكِنَّنِي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَسُقْت هَدْيِي فَلَيْسَ لِي مَحِلٌ دُونَ مَحِلِ هَدْيِي فَقَامَ إلَيْهِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ أَعُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ لِأَبَدٍ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ وَدَخَلَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ أَهْلَلْت؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا عَنْ طَاوُوسٍ: إهْلَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْآخَرُ: لَبَّيْكَ حَجَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ فَعَقَدُوا الْإِحْرَامَ لَيْسَ عَلَى حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا قِرَانٍ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ الْقَضَاءُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَبَّى عَلِيٌّ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِالْيَمَنِ وَقَالَا فِي تَلْبِيَتِهِمَا " إهْلَالٌ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمَا بِالْمُقَامِ عَلَى إحْرَامِهِمَا، فَدَلَّ هَذَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَ فَرِيضَةً بِعَيْنِهَا وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَيُجْزِئُ بِالسُّنَّةِ الْإِحْرَامُ، فَلَمَّا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُهِلَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَجًّا بِعَيْنِهِ وَيُحْرِمَ بِإِحْرَامِ الرَّجُلِ لَا يَعْرِفُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَهَلَّ مُتَطَوِّعًا وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ كَانَتْ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا كَانَ إذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُهْلِلْ بِالْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ كَانَتْ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَانَ هَذَا مَعْقُولًا فِي السُّنَّةِ مُكْتَفًى بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرْت فِيهِ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْيًا لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُتَّصِلًا (قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ إلَّا حُرٌّ بَالِغٌ مُسْلِمٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ بَالِغٌ وَلَا حُرٌّ غَيْرُ بَالِغٍ إذَا كَانَ حَجُّهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا لَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُجْزِ عَنْ غَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ) : وَأَمْرُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ سَوَاءٌ، فَيُعْتَمَرُ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا يُحَجُّ عَنْهُ، وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْهُ إلَّا مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ بَالِغٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ (قَالَ) : وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَأَمَرَهُ رَجُلٌ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ فَحَجَّ عَنْهُ وَاعْتَمَرَ أَجْزَأَتْ الْمُعْتَمِرَ عَنْهُ الْعُمْرَةُ وَلَمْ تُجْزِ عَنْهُ الْحَجَّةُ، وَهَكَذَا لَوْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْتَمِرْ فَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَاعْتَمَرَ، أَجْزَأَتْ الْمَحْجُوجَ عَنْهُ الْحَجَّةُ وَلَمْ تُجْزِ عَنْهُ الْعُمْرَةُ، وَيُجْزِيهِ أَيُّ النُّسُكَيْنِ كَانَ الْعَامِلُ عَمِلَهُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَمِلَهُ عَنْهُ، وَلَا يُجْزِيهِ النُّسُكُ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْهُ الْعَامِلُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ أَجْزَأَهُ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا وَاحِدًا يُقْرِنُ عَنْهُ وَأَجْزَأَهُ أَنْ يَبْعَثَ اثْنَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ يَحُجُّ هَذَا عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ هَذَا عَنْهُ وَكَذَلِكَ امْرَأَتَيْنِ أَوْ امْرَأَةً وَرَجُلًا (قَالَ) : وَهَذَا فِي فَرْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا وَصَفْت يُجْزِي رَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عَنْ رَجُلٍ وَقَدْ قِيلَ إذَا أَجْزَأَ فِي الْفَرْضِ أَجْزَأَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِالْحَجِّ عَنْهُ وَقَدْ قِيلَ يَحُجُّ الْفَرْضَ فَقَطْ بِالسُّنَّةِ وَلَا يَحُجُّ عَنْهُ نَافِلَةً وَلَا يَعْتَمِرُ نَافِلَةً (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ قَالَ يَحُجُّ الْمَرْءُ عَنْ الْمَرْءِ مُتَطَوِّعًا قَالَ: إذَا كَانَ أَصْلُ الْحَجِّ مُفَارِقًا لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَكَانَ الْمَرْءُ يَعْمَلُ عَنْ الْمَرْءِ الْحَجَّ فَيُجْزِي عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُطِيقُ فِيهَا الْحَجَّ، فَكَذَلِكَ يَعْمَلُهُ عَنْهُ مُتَطَوِّعًا، وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النُّسُكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى عَطَاءٍ قَالَ: رُبَّمَا قَالَ لِي عَطَاءٌ: طُفْ عَنِّي.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ إلَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِالْحَجِّ عَنْ الرَّجُلِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ فِيهَا الْمَحْجُوجُ عَنْهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ،