خَالَفْت بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ ذَلِكَ؟ ، فَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُك الْوَقْتَ فَمَا تَقُولُ فِيهِ إنْ تَرَكْته مِنْ غَدِهِ أَتُصَلِّيهِ بَعْدَ غَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ قَالَ: لَا. قِيلَ: فَقَدْ تَرَكْت عِلَّتَك فِي أَنْ تُصَلِّيَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَا حُجَّتُك فِيهِ؟ قَالَ رَوَيْنَا فِيهِ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: قَدْ سَمِعْنَاهُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ تُضَعِّفُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ: وَإِذَا زَعَمْت أَنَّهُ ثَابِتٌ فَكَيْفَ يَقْضِي فِي غَدِهِ وَلَمْ تَنْهَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَعْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ يَقْضِي بَعْدَ أَيَّامٍ، وَإِنْ طَالَتْ الْأَيَّامُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَأَنْ يَفْعَلَ الْمَرْءُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ ثَابِتًا، فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِالتَّطَوُّعِ فَهَذَا خَيْرٌ أَرَادَهُ اللَّهُ بِهِ أَرْجُو أَنْ يَأْجُرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ فِي عَمَلِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : بَعْدُ لَا يُصَلِّي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَكَذَا نَقُولُ إذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ وَلَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُئِيَ لَيْلًا لَمْ يُفْطِرْ النَّاسُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي النَّهَارِ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَسْتَقْبِلُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ: إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَوْلُنَا وَإِذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَفْطَرُوا وَقَالُوا: إنَّمَا اتَّبَعْنَا فِيهِ أَثَرًا رَوَيْنَاهُ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ، فَقُلْنَا: الْأَثَرُ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ الْقِيَاسِ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : إذَا رَأَى الرَّجُلُ هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ يَصُومُ لَا يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ فَيُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ شَكٌّ أَوْ يَخَافَ أَنْ يُتَّهَمَ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالصَّوْمِ.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُجْزِي صَوْمُ رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ كَمَا لَا تُجْزِي الصَّلَاةُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَاحْتُجَّ فِيهِ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَا يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَكَذَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَكَانَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً وَعَلَى مَا أَوْجَبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ صَوْمٍ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، فَخَالَفَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا عَلَى النَّافِلَةِ فَلَا يَجُوزُ فِي النَّافِلَةِ مِنْ الصَّوْمِ وَيَجُوزُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَخَالَفَ فِي هَذَا الْآثَارَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقِيلَ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: لِمَ زَعَمْت أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يُجْزِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا يُجْزِي صَوْمُ النَّذْرِ وَلَا صَوْمُ الْكَفَّارَاتِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك لَا تُجْزِي الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَلَا نَذْرُ الصَّلَاةِ وَلَا التَّيَمُّمُ إلَّا بِنِيَّةٍ؟ (قَالَ) : لِأَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ بِغَيْرِ وَقْتٍ مَتَى عَمِلَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ وَالصَّلَاةُ وَالنِّيَّةُ لِلتَّيَمُّمِ بِوَقْتٍ،