الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ غِنَائِهِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مُوسِرًا إنَّمَا يَأْخُذُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فِي مُتَقَدِّمٍ مِنْ الْأَخْبَارِ فَضَرْبَانِ ضَرْبٌ مُسْلِمُونَ مُطَاعُونَ أَشْرَافٌ يُجَاهِدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْوَى الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِهِمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِ غَيْرِهِمْ، فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَجَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَوْا مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مَا يَتَأَلَّفُونَ بِهِ سِوَى سُهْمَانِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَتْ نَازِلَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ هَذَا السَّهْمَ خَالِصًا لِنَبِيِّهِ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» يَعْنِي بِالْخُمُسِ حَقَّهُ مِنْ الْخُمُسِ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ يَعْنِي فِي مَصْلَحَتِكُمْ وَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْخُمُسِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهُمْ مِثْلُ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَأَصْحَابِهِمَا وَلَمْ يُعْطِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبَّادَ بْنَ مِرْدَاسٍ وَكَانَ شَرِيفًا عَظِيمَ الْغَنَاءِ حَتَّى اسْتَعْتَبَ فَأَعْطَاهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَمَّا أَرَادَ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ شَيْءٌ حِينَ رَغِبَ عَمَّا صَنَعَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَعْطَاهُ عَلَى مَعْنَى مَا أَعْطَاهُمْ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ رَأَى؛ لِأَنَّهُ لَهُ خَالِصٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى النَّفْلِ وَغَيْرِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ وَقَدْ أَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَعَارَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَاةً وَسِلَاحًا وَقَالَ فِيهِ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: " غَلَبَتْ هَوَازِنُ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ " فَقَالَ " صَفْوَانُ بِفِيك الْحَجَرُ فَوَاَللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَبِّ هَوَازِنَ " وَأَسْلَمَ قَوْمُهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ كَأَنَّهُ لَا يُشَكُّ فِي إسْلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "، وَهَذَا مُثْبَتٌ فِي كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ "، فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا رَأَيْت أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِلِاقْتِدَاءِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كَانَ هَذَا السَّهْمُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ سَهْمَهُ حَيْثُ رَأَى، فَقَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا مَرَّةً وَأَعْطَى مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ فَلَا يُعْطَى الْيَوْمَ أَحَدٌ عَلَى هَذَا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَعْطَى أَحَدًا بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ السُّهْمَانِ، لَوْ قَالَ هَذَا أَحَدٌ، كَانَ مَذْهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي سَهْمِ الصَّدَقَاتِ سَهْمٌ، وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - أَحْسِبُهُ - بِثَلَثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ فِي إعْطَائِهِ إيَّاهَا مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ إيَّاهَا غَيْرُ أَنَّ الَّذِي يَكَادُ أَنْ يُعْرَفَ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ قِسْمِ