وَابْنُ السَّبِيلِ قَوِيًّا، فَالنَّفَقَةُ دُونَ الْحَمُولَةِ إذَا كَانَ بِلَادًا يَمْشِي مِثْلَهَا مَأْهُولَةً مُتَّصِلَةَ الْمِيَاهِ مَأْمُونَةً، فَإِنْ انْتَاطَتْ مِيَاهُهَا، أَوْ أَخَافَتْ، أَوْ أَوْحَشَتْ أُعْطُوا الْحَمُولَةَ ثُمَّ صُنِعَ بِهِمْ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ قَبْلَهُمْ يُعْطَوْنَ عَلَى الْمُؤْنَةِ لَا عَلَى الْعَدَدِ
وَيُعْطَى الْغُزَاةُ الْحَمُولَةَ وَالرَّحْلَ وَالسِّلَاحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ، فَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ زِيدُوا الْخَيْلَ، وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ فَحَمُولَةُ الْأَبْدَانِ بِالْكِرَاءِ وَيُعْطَوْنَ الْحَمُولَةَ بَادِئِينَ وَرَاجِعِينَ، وَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْمُقَامَ أُعْطُوا الْمُؤْنَةَ بَادِئِينَ وَقُوَّةً عَلَى الْمُقَامِ بِقَدْرِ مَا يُرِيدُونَ مِنْهُ قَدْرَ مَغَازِيهِمْ وَمُؤْنَاتِهِمْ فِيهَا لَا عَلَى الْعَدَدِ وَمَا أُعْطُوا مِنْ هَذَا فَفَضْلٌ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِمْ أَنْ يتمولوه وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَالِي أَخْذُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يَغْزُوا، وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ
(قَالَ) : وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ لَا تَكُونُ الطَّاعَةُ لِلْوَالِي فِيهَا قَائِمَةً وَلَا أَهْلُ الصَّدَقَةِ الْمُوَلَّوْنَ أَقْوِيَاءَ عَلَى اسْتِخْرَاجِهَا إلَّا بِالْمُؤَلَّفَةِ لَهَا وَتَكُونُ بِلَادُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مُمْتَنِعَةً بِالْبُعْدِ، أَوْ كَثْرَةِ الْأَهْلِ، أَوْ مَنْعِهِمْ مِنْ الْأَدَاءِ، أَوْ يَكُونُ قَوْمٌ لَا يُوثَقُ بِثَبَاتِهِمْ فَيُعْطَوْنَ مِنْهَا الشَّيْءَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ لَا يَبْلُغُ اجْتِهَادُهُ فِي حَالٍ أَنْ يَزِيدَهُمْ عَلَى سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَيُنْقِصَهُمْ مِنْهُ إنْ قَدَرَ حَتَّى يَقْوَى بِهِمْ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَهْلِهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ أَتَى أَبَا بَكْرٍ بِنَحْوِ ثَلَثِمِائَةِ بَعِيرٍ صَدَقَةِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ بِالْجِهَادِ مَعَ خَالِدٍ فَجَاهَدَ مَعَهُ بِنَحْوٍ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ، وَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ إنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، هُوَ مِنْ حَدِيثِ مَنْ يَنْسُبُ إلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّدَّةِ
(قَالَ) : وَيُعْطَى الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِ مِثْلِهِمْ فِيمَا تَكَلَّفُوا مِنْ السَّفَرِ وَقَامُوا بِهِ مِنْ الْكِفَايَةِ لَا يُزَادُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَيَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمْ أُجْرَةً، فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ أَعْطَاهُمْ أَجْرَ أَمْثَالِهِمْ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا إلَّا قَدْرَ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ سَهْمًا مِنْ أَسْهُمِ الْعَامِلِينَ، أَوْ سَهْمَ الْعَامِلِينَ كُلَّهُ إنَّمَا لَهُمْ فِيهِ أُجُورُ أَمْثَالِهِمْ، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ سَهْمَ الْعَامِلِينَ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالْكِفَايَةِ يَلِي إلَّا بِمُجَاوَزَةِ الْعَامِلِينَ رَأَيْت أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْوَالِي سَهْمَ الْعَامِلِينَ تَامًّا وَيَزِيدَهُمْ قَدْرَ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، لَوْ أَعْطَاهُمْ مِنْ السُّهْمَانِ مَعَهُ حَتَّى يُوفِيَهُمْ أُجُورَ أَمْثَالِهِمْ مَا رَأَيْت ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ضَيِّقًا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ ضَاعَتْ الصَّدَقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالَ الْيَتِيمِ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ فَيُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ إذَا خِيفَ ضَيْعَتُهُ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ وَقَلَّمَا يَكُونُ أَنْ يَعْجَزَ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَنْ مَبْلَغِ أُجْرَةِ الْعَامِلِ وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ أَمِينٌ يَرْضَى بِسَهْمِ الْعَامِلِ وَأَقَلَّ مِنْهُ فَيُوَلَّاهُ أَحَبُّ إلَيَّ.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجِمَاعُ مَا قَسَمْنَا عَلَى السُّهْمَانِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ كُلِّ مَنْ سُمِّيَ لَا عَلَى الْعَدَدِ وَلَا عَلَى أَنْ يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ سَهْمًا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَسْتَوْفُوا سُهْمَانَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ غَيْرِهَا إذَا فَضَلَ عَنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَى كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مُؤَقَّتًا فَأَعْطَيْنَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ