مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَاَلَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقْتَلُوا حَتَّى يَتُوبُوا، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، أَهْلُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ، وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَمَنْ لَمْ يَزَلْ عَلَى الشِّرْكِ مُقِيمًا لَمْ يُحَوَّلْ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَالْقَتْلُ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ مِنْهُمْ.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ انْتَقَلَ عَنْ الشِّرْكِ إلَى إيمَانٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْ الْإِيمَانِ إلَى الشِّرْكِ مِنْ بَالِغِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] إِلَى {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَرَّقَ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ الزَّنَادِقَةَ قَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثَابِتٌ، وَلِمَ أَرَ أَهْلَ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَ حَدِيثِ زَيْدٍ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَلَا الْحَدِيثَ قَبْلَهُ (قَالَ) : وَمَعْنَى حَدِيثِ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ» ، وَمَعْنَى، " مَنْ بَدَّلَ قُتِلَ " مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ دِينَ الْحَقِّ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ لَا مَنْ بَدَّلَ غَيْرَ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْيَانِ فَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ بَاطِلٍ إلَى بَاطِلٍ، وَلَا يُقْتَلُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْبَاطِلِ إنَّمَا يُقْتَلُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْحَقِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدِّينِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَعَلَى خِلَافِهِ النَّارَ إنَّمَا كَانَ عَلَى دِينٍ لَهُ النَّارُ إنْ أَقَامَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] إلَى قَوْلِهِ {مِنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64] وَقَالَ {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132] إلَى قَوْلِهِ {مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ الْمُرْتَدَّةُ فَأَمْوَالُهُمَا فَيْءٌ لَا يَرِثُهَا مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ، وَسَوَاءٌ مَا كَسَبَا مِنْ أَمْوَالِهِمَا فِي الرِّدَّةِ أَوْ مَلَكَا قَبْلَهَا، وَلَا يُسْبَى لِلْمُرْتَدِّينَ ذُرِّيَّةٌ امْتَنَعَ الْمُرْتَدُّونَ فِي دَارِهِمْ أَوْ لَمْ يَمْتَنِعُوا أَوْ لَحِقُوا فِي الرِّدَّةِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَقَامُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ ثَبَتَتْ لِلذُّرِّيَّةِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِ آبَائِهِمْ، ويوارثون، وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ الْحِنْثَ أُمِرَ بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعَاهَدُونَ فَامْتَنَعُوا أَوْ هَرَبُوا إلَى دَارِ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَنَا ذَرَارِيُّ لَهُمْ وُلِدُوا مِنْ أَهْلِ عَهْدٍ لَمْ نَسْبِهِمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ إذَا بَلَغُوا ذَلِكَ - إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ الْعَهْدُ، وَإِلَّا نَبَذْنَا إلَيْكُمْ فَاخْرُجُوا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَأَنْتُمْ حَرْبٌ -، وَمِنْ وُلِدَ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالذِّمِّيِّينَ فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُسْبَ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ لَا يُسْبَوْنَ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ مَا كَانَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ عَلَى