فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَاتَبَ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ ثَابِتَةً كَهِيَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَحْدَثَ لَهُ الْمُسْلِمُ قَهْرًا بَطَلَ بِهِ الْكِتَابَةُ، أَوْ أَدَّى إلَى الْمُسْلِمِ فَأُعْتِقَ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ، ثُمَّ قَهَرَهُ الْمُسْلِمُ فَسَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَمَانٌ لَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ كَافِرًا وَعِتْقٌ تَامٌّ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا فَيَعْتِقُ بِكِتَابَةِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَانًا مِنْ مُسْلِمٍ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ كَافِرٌ بِكِتَابَةٍ، أَوْ غَيْرِ كِتَابَةٍ فَسَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَاَلَّذِي أَعْتَقَهُ نَفْسُهُ يُسْتَرَقُّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ عِنْدَنَا وَالْعَبْدُ كَافِرٌ فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ وَتَحَاكَمَا إلَيْنَا مَنَعْتُهُ مِنْ إخْرَاجِهِ وَوَكَّلَ مَنْ يَقْبِضُ نُجُومَهُ، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْحَرْبِيِّ وَقِيلَ: لَهُ إنْ أَرَدْتُ الْمُقَامَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَأَسْلِمْ، أَوْ أَدِّ الْجِزْيَةَ إنْ كُنْتَ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَاك تُقِيمُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِلْأَمَانِ لَك وَإِنَّك مَالٌ لَا جِزْيَةَ عَلَيْك.
وَلَوْ كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا لَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَوْ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ، ثُمَّ لَحِقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فَالْمُكَاتَبُ بِحَالٍ يُؤَدِّي نُجُومَهُ، فَإِذَا قُبِضَتْ دُفِعَتْ إلَى وَرَثَةِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ كَانَ لَهُ أَمَانٌ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ السَّيِّدُ وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَكِنَّهُ سُبِيَ وَالْمُكَاتَبُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ بِسَبْيِ السَّيِّدِ وَلَوْ سُبِيَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ وَكَانَ الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبًا بِحَالِهِ، فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ نَظَرْت إلَى سَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ، فَإِنْ كَانَ قُتِلَ حِينَ سُبِيَ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ، أَوْ فُودِيَ بِهِ فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ وَإِنْ كَانَ اُسْتُرِقَّ فَمَاتَ رَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاؤُهُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَكَانَ لَا وَلَاءَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَجْعَلَ الْوَلَاءَ لِرَقِيقٍ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِأَحَدٍ بِسَبَبِهِ وَلَدٌ وَلَا سَيِّدَ لَهُ وَلَوْ أَعْتَقَ سَيِّدٌ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ مَا اُسْتُرِقَّ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْتَقَهُ وَصَارَ مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَاءٌ بِالْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَجْعَلُ الْوَلَاءَ إذَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ لِسَيِّدٍ لَهُ وَقَدْ رَقَّ؟ قِيلَ بِابْتِدَاءِ كِتَابَتِهِ، كَمَا أَجْعَلُ وَلَاءَ الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُهُ الرَّجُلُ، ثُمَّ يَمُوتُ السَّيِّدُ فَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ بِسِنِينَ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ كِتَابَتَهُ وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَدَعْ الْمَيِّتُ شَيْئًا غَيْرَهُ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ لَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ حِينَ اُسْتُرِقَّ سَيِّدُهُ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ وَلَا يُبْطِلُهَا حَادِثٌ كَانَ مِنْ سَيِّدِهِ كَمَا لَا تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَلَا إفْلَاسِهِ وَلَا الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَرَجَعَ السَّيِّدُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ وَالْحَرْبِيُّ رَقِيقٌ، أَوْ قَدْ مَاتَ رَقِيقًا، فَالْكِتَابَةُ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَهَا إذَا بَطَلَ أَنْ يَمْلِكَ سَيِّدٌ الْمُكَاتَبَ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ بِأَنْ صَارَ رَقِيقًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَنْ يَمْلِكَ مَالًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ عَبْدُ سَيِّدِهِ لَهُ وَلَا قَرَابَةٌ لَهُ وَلَوْ قُتِلَ السَّيِّدُ، أَوْ سُبِيَ فَمَنَّ عَلَيْهِ قَبْلَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ رِقٌّ، أَوْ فُودِيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَرُدَّ مَالَهُ إلَى سَيِّدِهِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ كَانَ، أَوْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ مَاتَ رُدَّ عَلَى وَرَثَتِهِ.
وَإِنْ اُسْتُرِقَّ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ عَتَقَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ إذًا مُكَاتَبَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ يَدْفَعَ إلَيْهِ دَفَعَ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالًا مَوْقُوفًا لَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ مَالِكُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَالٌ كَانَ لَهُ أَمَانٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُبْطِلَ أَمَانَهُ وَلَا مِلْكَهُ مَا كَانَ رَقِيقًا وَلَا سَيِّدَ دُونَهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ فَلَمَّا عَتَقَ كَانَتْ الْأَمَانَةُ مُؤَدَّاةً إلَيْهِ إذَا كَانَ مَالِكًا فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهَا إذَا كَانَ إذَا ضَرَبَ إلَيْهِ مَلَكَهَا غَيْرُهُ عَلَيْهِ كَمَا وَرَّثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَبَوَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ الْأَبَوَانِ مَمْلُوكِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَرَّثَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَالَهُمَا مَالِكُهُمَا وَلَوْ عَتَقَ الْأَبَوَانِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ وَرِثَا، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ مَلَكَ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ قَبْلَ عِتْقِ السَّيِّدِ، قِيلَ: كَانَ مَوْقُوفًا لَيْسَ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ مِلْكُهُ كَمَا يُوقَفُ مَالُ الْمُرْتَدِّ لِيَمْلِكَهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا جَرَى عَلَيْهِ الرِّقُّ فَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا مَالَهُ بِأَنْ صَارَ غَيْرُهُ مَالِكًا لَهُ إذَا صَارَ رَقِيقًا. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ