غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ نَحْنُ نَجْتَهِدُ إذْ كُنْت عَلَى غَيْرِ إحَاطَةٍ مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَصَابُوا أَلَيْسَ تَقُولُ لَهُمْ إنَّ هَؤُلَاءِ يَجْتَهِدُونَ عَالِمِينَ وَأَنْتَ تَجْتَهِدُ جَاهِلًا فَأَنْتَ مُتَعَسِّفٌ فَقَالَ: مَا لَهُمْ جَوَابٌ غَيْرُهُ وَكَفَى بِهَذَا جَوَابًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ قُلْت وَلَوْ قَالَ: أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ إذَا كُنَّا عَلَى غَيْرِ إحَاطَةٍ فَنَحْنُ نَقُولُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَنَكْتَفِي فِي الظَّنِّ بِسِعْرِ الْيَوْمِ وَالتَّأَمُّلِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَهَذَا مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَعَاقِلٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالْوَقْفِ فِي النَّظَرِ وَلَوْ جَازَ لِعَالِمٍ أَنْ يَدَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ جَازَ لِلْجَاهِلِينَ أَنْ يَقُولُوا ثُمَّ لَعَلَّهُمْ أَعْذَرُ بِالْقَوْلِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَأْتِي الْخَطَأَ عَامِدًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَيَأْتُونَهُ جَاهِلِينَ قَالَ: أَفَتُوجِدُنِي حُجَّةً فِي غَيْرِ مَا وَصَفْت أَنَّ لِلْعَالِمِينَ أَنْ يَقُولُوا؟ .
قُلْت: نَعَمْ قَالَ: فَاذْكُرْهَا، قُلْت لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا وَالْقُرُونِ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِ كُنَّا قَدْ حَكَمَ حَاكِمُهُمْ وَأَفْتَى مُفْتِيهِمْ فِي أُمُورٍ لَيْسَ فِيهَا نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا اجْتِهَادًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: أَفَتُوجِدنِي هَذَا مِنْ سُنَّةٍ؟ قُلْت: نَعَمْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَالَ: فَأَسْمَعُك تَرْوِي «فَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.»
ِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ فَوَافَقَنَا طَائِفَةٌ فِي أَنَّ تَثْبِيتَ الْأَخْبَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَازِمٌ لِلْأُمَّةِ وَرَأَوْا مَا حَكَيْت مِمَّا احْتَجَجْت بِهِ عَلَى مَنْ رَدَّ الْخَبَرَ حُجَّةً يُثْبِتُونَهَا وَيُضَيِّقُونَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهَا ثُمَّ كَلَّمَنِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُجْتَمَعِينَ وَمُتَفَرِّقِينَ بِمَا لَا أَحْفَظُ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْمُنْفَرِدِ عَنْهُمْ مِنْهُمْ وَكَلَامَ الْجَمَاعَةِ وَلَا مَا أَجَبْت بِهِ كُلًّا وَلَا أَنَّهُ قِيلَ لِي وَقَدْ جَهَدْت عَلَى تَقَصِّي كُلِّ مَا احْتَجُّوا بِهِ فَأَثْبَتُّ أَشْيَاءَ قَدْ قُلْتهَا وَلِمَنْ قُلْتهَا مِنْهُمْ وَذَكَرْت بَعْضَ مَا أَرَاهُ مِنْهُ يَلْزَمُهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ قَالَ فَكَانَتْ جُمْلَةُ قَوْلِهِمْ أَنْ قَالُوا لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْ الْحُكَّامِ وَلَا مِنْ الْمُفْتِينَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَحْكُمَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِحَاطَةِ، وَالْإِحَاطَةُ كُلُّ مَا عُلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ يَشْهَدُ بِهِ عَلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ وَلَمْ يَفْتَرِقُوا فِيهِ فَالْحُكْمُ كُلُّهُ وَاحِدٌ يَلْزَمُنَا أَنْ لَا نَقْبَلَ مِنْهُمْ إلَّا مَا قُلْنَا مِثْلَ أَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي لَا مُنَازِعَ فِيهِ وَلَا دَافِعَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَسَعُ أَحَدًا يَشُكَّ فِيهِ قُلْت لَهُ لَسْت أَحْسَبُهُ يَخْفَى عَلَيْك وَلَا عَلَى أَحَدٍ حَضَرَك أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي عِلْمِ الْخَاصَّةِ مَا يُوجَدُ فِي عِلْمِ الْعَامَّةِ قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْت عِلْمُ الْعَامَّةِ عَلَى مَا وَصَفْت لَا تَلْقَى أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا وَجَدْت عِلْمَهُ عِنْدَهُ وَلَا يَرُدُّ مِنْهَا أَحَدٌ شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ فِيهِ كَمَا وَصَفْت فِي جُمَلِ الْفَرَائِضِ وَعَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ عِلْمُ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ إلَى مَنْ لَقِيت تَخْتَلِفُ أَقَاوِيلُهُمْ وَتَتَبَايَنُ تَبَايُنًا بَيِّنًا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ يَتَأَوَّلُونَ فِيهِ وَلَمْ يَذْهَبُوا إلَى الْقِيَاسِ فَيَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ الِاخْتِلَافَ فَإِذَا اخْتَلَفُوا فَأَقَلُّ مَا عِنْدَ الْمُخَالِفِ لِمَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ خِلَافَهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ مَنْ خَالَفَهُ وَلَيْسَتْ هَكَذَا الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى وَمَا قِيلَ قِيَاسًا فَأَمْكَنَ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يُخْطِئَ الْقِيَاسُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَك أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ إحَاطَةً وَلَا يَشْهَدُ بِهِ