بِتَوَهُّمِك عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَدَعُونَهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ثَابِتَةٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونُوا عَلِمُوا قَوْلَ مَنْ قَبْلَهُمْ فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ أَتُجِيزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَدَعُوا عَلَيْهِمْ أَقَاوِيلَهُمْ الَّتِي قَبِلْتهَا مِنْهُمْ ثُمَّ يَقُولُونَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مَا قُلْت لَهُمْ هُمْ لَا يَدَعُونَهَا إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا قَالَ: فَإِنْ قُلْت: نَعَمْ؟ قُلْت إذًا تَجْعَلُ الْعِلْمَ أَبَدًا لِلْآخِرِينَ كَمَا قُلْت أَوَّلًا قَالَ: فَإِنْ قُلْت لَا؟ قُلْت: فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا مَنْ قَبْلَهُمْ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: أُجِيزُ بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ قُلْت: فَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّك أَنْتَ الْعِلْمُ فَمَا أَجَزْت جَازَ وَمَا رَدَدْت رُدَّ أَفَتَجْعَلُ هَذَا لِغَيْرِك فِي الْبُلْدَانِ فَمَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بَلَدٌ إلَّا وَفِيهِ عِلْمٌ قَدْ صَارَ أَهْلُهُ إلَى اتِّبَاعِ قَوْلِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ فِي أَكْثَرِ أَقَاوِيلِهِ أَفَتَرَى لِأَهْلِ مَكَّةَ حُجَّةً إنْ قَلَّدُوا عَطَاءً فَمَا وَافَقَهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَافَقُوهُ وَمَا خَالَفَهُ خَالَفُوهُ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ قَوْلِهِ؟ أَوْ تَرَى لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ حُجَّةً بِمِثْلِ هَذَا فِي الْحَسَنِ أَوْ ابْنِ سِيرِينَ أَوْ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَكُلُّ مَنْ وَصَفْنَا أَهْلُ عِلْمٍ وَإِمَامَةٍ فِي دَهْرِهِ وَفَوْقَ مَنْ بَعْدَهُمْ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ اللَّازِمُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ اتِّبَاعُهُمَا قَالَ: فَتَقُولُ أَنْتَ مَاذَا؟ .
قُلْت: أَقُولُ مَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَمَّنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إلَّا بِاتِّبَاعِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صِرْنَا إلَى أَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ إذَا صِرْنَا فِيهِ إلَى التَّقْلِيدِ أَحَبَّ إلَيْنَا وَذَلِكَ إذَا لَمْ نَجِدْ دَلَالَةً فِي الِاخْتِلَافِ تَدُلُّ عَلَى أَقْرَبِ الِاخْتِلَافِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيُتَّبَعُ الْقَوْلُ الَّذِي مَعَهُ الدَّلَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مَشْهُورٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ النَّاسُ وَمَنْ لَزِمَ قَوْلَهُ النَّاسُ كَانَ أَشْهَرَ مِمَّنْ يُفْتِي الرَّجُلَ أَوْ النَّفَرَ وَقَدْ يَأْخُذُ بِفُتْيَاهُ أَوْ يَدَعُهَا وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ يُفْتُونَ لِلْخَاصَّةِ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَلَا تُعْنَى الْعَامَّةُ بِمَا قَالُوا عِنَايَتَهُمْ بِمَا قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ وَجَدْنَا الْأَئِمَّةَ يَبْتَدِئُونَ فَيَسْأَلُونَ عَنْ الْعِلْمِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا فِيهِ وَيَقُولُونَ فَيُخْبِرُونَ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ فَيَقْبَلُونَ مِنْ الْمُخْبِرِ وَلَا يَسْتَنْكِفُونَ عَلَى أَنْ يَرْجِعُوا لِتَقْوَاهُمْ اللَّهَ وَفَضْلِهِمْ فِي حَالَاتِهِمْ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنْ الْأَئِمَّةِ فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِمْ وَكَانَ اتِّبَاعُهُمْ أَوْلَى بِنَا مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَالْعِلْمُ طَبَقَاتٌ شَتَّى الْأُولَى الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إذَا ثَبَتَتْ السُّنَّةُ ثُمَّ الثَّانِيَةُ الْإِجْمَاعُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْهُمْ وَالرَّابِعَةُ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، الْخَامِسَةُ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ الطَّبَقَاتِ وَلَا يُصَارُ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ مِنْ أَعْلَى وَبَعْضُ مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ خِلَافُ هَذَا ذَهَبْت إلَى أَخْذِ الْعِلْمِ مِنْ أَسْفَلَ قَالَ فَتُوجِدُنِي بِالْمَدِينَةِ قَوْلَ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ مُتَابِعًا الْأَغْلَبَ الْأَكْثَرَ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِيهِ نُتَابِعُهُمْ وَإِنْ خَالَفَهُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ كَانَ أَقَلَّ عَدَدًا مِنْهُمْ فَنَتْرُكُ قَوْلَ الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ لِمُتَقَدِّمٍ قَبْلَهُ أَوْ لِأَحَدٍ فِي دَهْرِهِمْ أَوْ بَعْدَهُمْ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ: فَاذْكُرْ مِنْهُ وَاحِدًا قُلْت: إنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ.
قَالَ: فَمَنْ قَالَهُ مِنْ التَّابِعِينَ أَوْ السَّابِقِينَ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَرْضَعَتْهُ أُمُّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ وَلِلْمُزَنِيِّ امْرَأَةٌ أُخْرَى سِوَى الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْ الرَّجُلَ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ الْمُزَنِيِّ جَارِيَةً فَلَمَّا بَلَغَ ابْنُ الرَّجُلِ وَبَلَغَتْ بِنْتُ الرَّجُلِ خَطَبَهَا فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: وَيْلَك إنَّهَا أُخْتُك فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ فَكَتَبَ فِيهِ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ بِرَضَاعٍ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مَنْ أَرْضَعَهُ بَنَاتُ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ بَنِي أَبِي بَكْرٍ.
(قَالَ) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنٍ مِنْ قُرُونِ رَأْسِي فَيَقُولُ: أَقْبِلِي عَلَيَّ فَحَدِّثِينِي أَرَاهُ أَنَّهُ أَبَى وَمَا وَلَدَ فَهُمْ إخْوَتِي ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَبْلَ الْحَرَّةِ أَرْسَلَ إلَيَّ فَخَطَبَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتِي عَلَى حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ حَمْزَةُ