رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي» قَالَ: فَدَلَّ جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ انْفِرَاقِ حَالِ الْمُسْتَحَاضَتَيْنِ وَفِي قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ إحْدَاهُمَا إذَا ذَهَبَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ أَنْ تَغْسِلَ عَنْهَا الدَّمَ وَتُصَلِّيَ وَأَمَرَ الْأُخْرَى أَنْ تَرَبَّصَ عَدَدَ اللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، وَالْحَدِيثَانِ جَمِيعًا يَنْفِيَانِ الِاسْتِظْهَارَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ: تَسْتَظْهِرُ الْحَائِضُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَنَقُولُ: تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَحَدِيثَاكُمْ اللَّذَانِ تَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ يُخَالِفَانِ الِاسْتِظْهَارَ، وَالِاسْتِظْهَارُ خَارِجٌ مِنْ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَالْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ وَأَقَاوِيلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقُلْت: وَمِنْ أَيْنَ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرَأَيْتُمْ اسْتِظْهَارَهَا مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَمْ أَيَّامِ طُهْرِهَا؟ فَقُلْت: هِيَ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا فَقَالَ: فَأَسْمَعُكُمْ عَمَدْتُمْ إلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا خَمْسًا فَطَبَقَ عَلَيْهَا الدَّمُ فَقُلْتُمْ نَجْعَلُهَا ثَمَانِيًا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا إذَا مَضَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَجَعَلْتُمْ لَهَا وَقْتًا غَيْرَ وَقْتِهَا الَّذِي كَانَتْ تَعْرِفُ فَأَمَرْتُمُوهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُصَلِّيَ فِيهَا قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ لَا يَعْرِفُ السُّنَّةَ: تَسْتَظْهِرُ بِسَاعَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ تَسْتَظْهِرُ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ بِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ أَحَدٍ إنْ قَالَ بِبَعْضِ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُوَقَّتَ الْعَدَدُ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ إجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ وَلَقَدْ وَقَّتُّمُوهُ بِخِلَافِ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَكْثَرِ أَقَاوِيلِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قُلْتُمْ فِيهِ قَوْلًا مُتَنَاقِضًا فَزَعَمْتُمْ أَنَّ أَيَّامَ حَيْضِهَا إنْ كَانَتْ ثَلَاثًا اسْتَظْهَرَتْ بِمِثْلِ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَذَلِكَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا اثْنَيْ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِمِثْلِ رُبْعِ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَمْ تَسْتَظْهِرْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمَيْنِ فَجَعَلْتُمْ الِاسْتِظْهَارَ مَرَّةً ثَلَاثًا وَمَرَّةً يَوْمَيْنِ وَمَرَّةً يَوْمًا وَمَرَّةً لَا شَيْءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ رَوَيْتُمْ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَنْ صَاحِبِنَا شَيْئًا غَيْرَ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ شَيْئًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَشَيْئًا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَمِيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِيَسْأَلَهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ عُرْوَةَ وَنَدَعُ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَتَرَكْتُمُوهُ كُلَّهُ ثُمَّ ادَّعَيْتُمْ قَوْلَ عُرْوَةَ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ فِي بَعْضِهِ فَقُلْت وَأَيْنَ؟ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا يَعْنِي كَمَا تَغْتَسِلُ الْمُتَطَهِّرَةُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ يَعْنِي تَوَضُّؤًا مِنْ الدَّمِ لِلصَّلَاةِ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ الدَّمِ إنَّمَا أُلْقِيَ عَنْهَا الْغُسْلُ بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ، وَالْغُسْلُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الدَّمِ وَجَعَلَ عَلَيْهَا الْوُضُوءَ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهَا فَخَالَفْتُمْ الْأَحَادِيثَ الَّتِي رَوَاهَا صَاحِبُنَا وَصَاحِبُكُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا رَوَى صَاحِبُنَا عَنْهُمْ كُلَّهُ إنَّهُ لَبَيِّنٌ فِي قَوْلِكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَتْرَكَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِجَمِيعِ أَقَاوِيلِهِمْ مِنْكُمْ مَعَ مَا تَبَيَّنَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ مَا أَعْلَمُكُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى قَوْلِ أَهْلِ بَلَدٍ غَيْرِهِمْ فَإِذَا انْسَلَخْتُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَمِمَّا رَوَيْتُمْ وَرَوَى غَيْرُكُمْ، وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ فَأَيُّ مَوْضِعٍ تَكُونُونَ بِهِ عُلَمَاءَ وَأَنْتُمْ تُخْطِئُونَ مِثْلَ هَذَا وَتُخَالِفُونَ فِيهِ أَكْثَرَ النَّاسِ