لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنْ قُلْت: لَمْ يَعْمَلْ بِهَذَا أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ بَيَّنَّا لَك قَبْلَ هَذَا مَا نَرَى أَنَّا وَأَنْتُمْ نُثْبِتُ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ بَعْدَهُ اسْتَغْنَاهُ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا سِوَاهُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِإِعَادَتِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ قَالَ قَوْلَك هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ فِيهِ بِقَوْلِنَا وَيُخَالِفُهُ صَاحِبَاهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت حَدِيثَهُمْ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا يَثْبُتُ؟ فَقَالَ: لَا فَقُلْت: فَلِمَ يَحْتَجُّونَ بِهِ؟ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ، فَأَمَّا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهَا فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فَقُلْت فَهَذَا سُوءُ نَصَفَةٍ (فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَجَلْ، وَأَنْتُمْ أَسْوَأُ مِنْهُ نَصَفَةً حِينَ لَا تَعْتَدُّونَ بِحَدِيثِهِمْ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ وَتُخَالِفُونَ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مُخَالِفَ لَهُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
. بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ: أَيْنَ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَرْفَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِيمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ مَعَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا تَكْبِيرَةَ لِلِافْتِتَاحِ إلَّا فِي الْأَوَّلِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَكْبِيرُ رُكُوعٍ، وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَإِذَا أَرَادَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ فِي السُّجُودِ» قَالَ: وَرَوَى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِضْعَةَ عَشْرَ رَجُلًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ» قَالَ: ثُمَّ قَدِمْت عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ فَرَأَيْتهمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الْبَرَانِسِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَعُودُ لِرَفْعِهِمَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَأَنْتُمْ إذًا تَتْرُكُونَ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ لَوْ لَمْ تَعْلَمُوا عِلْمًا إلَّا أَنْ تَكُونُوا رَوَيْتُمْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرَّتَيْنِ فَاتَّبَعْتُمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْدَاهُمَا وَتَرَكْتُمْ اتِّبَاعَهُ فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَتْبَعَ أَحَدٌ أَمْرَيْهِ دُونَ الْآخَرِ جَازَ لِرَجُلٍ أَنْ يَتْبَعَ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ تَرَكْتُمُوهُ وَيَتْرُكُهُ حَيْثُ اتَّبَعْتُمُوهُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَلِمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عِنْدِي أَنْ يَتْرُكَهُ إلَّا نَاسِيًا أَوْ سَاهِيًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمَا مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ؟ فَقَالَ: مِثْلُ مَعْنَى رَفْعِهِمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً يُرْجَى فِيهَا ثَوَابُ اللَّهِ، وَمِثْلُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَرَأَيْت إذَا كُنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ شَيْئًا فَتَتَّخِذُونَهُ أَصْلًا يُبْنَى عَلَيْهِ فَوَجَدْتُمْ ابْنَ عُمَرَ يَفْعَلُ شَيْئًا فِي الصَّلَاةِ فَتَرَكْتُمُوهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ