بَيَانُ شَرْطِ الْإِسْلَامِ فَلِمَ وَافَقَ شُرَيْحًا مَرَّةً وَخَالَفَهُ أُخْرَى، وَقَدْ كَتَبْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى فِي شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لِأَحَدٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِمِّيٍّ وَلَا مَنْ خَالَفَ مَا وَصَفْنَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ
وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ النَّصَارَى وَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ النَّصَارَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُجِيزُ ذَلِكَ وَيَقُولُ؛ لِأَنَّهُمَا مِلَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُوَرِّثُ الْيَهُودِيَّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالنَّصْرَانِيَّ مِنْ الْيَهُودِيِّ وَيَقُولُ أَهْلُ الْكُفْرِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُوَرِّثُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا تَحَاكَمَ أَهْلُ الْمِلَلِ إلَيْنَا فَحَكَمْنَا بَيْنَهُمْ لَمْ يُوَرِّثْ مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ وَلَا كَافِرًا مِنْ مُسْلِمٍ وَوَرَّثْنَا الْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَنُوَرِّثُ الْيَهُودِيَّ النَّصْرَانِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ الْيَهُودِيَّ وَنَجْعَلُ الْكُفْرَ مِلَّةً وَاحِدَةً كَمَا جَعَلْنَا الْإِسْلَامَ مِلَّةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ إيمَانٌ، أَوْ كُفْرٌ.
وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ قَاضِي الْكُوفَةِ عَلَى عَبْدٍ وَحَلُّوهُ وَوَصَفُوهُ أَنَّهُ لِرَجُلٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لَا أَكْتُبُ لَهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَكْتُبُ شَهَادَتَهُمْ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ فَيَجْمَعُ الْقَاضِي الَّذِي الْعَبْدُ فِي بَلَدِهِ بَيْنَ الَّذِي جَاءَ بِالْكِتَابِ وَبَيْنَ الَّذِي عِنْدَهُ الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَ لِلَّذِي عِنْدَهُ الْعَبْدُ حُجَّةٌ وَإِلَّا بَعَثَ بِالْعَبْدِ مَعَ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا فِي عُنُقِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِقِيمَتِهِ وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي بِجَوَابِ كِتَابِهِ بِذَلِكَ فَيَجْمَعُ قَاضِي الْكُوفَةِ بَيْنَ الْبَيِّنَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُ مَعَ الَّذِي جَاءَ بِهِ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْعَبْدُ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، ثُمَّ يُمْضِيَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَيَبْرَأَ كَفِيلُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ تَجِئْ تُهْمَةٌ، أَوْ أَمْرٌ يَسْتَرِيبُهُ مِنْ الْغُلَامِ.
وَإِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ فَحَضَرَهُ الْمَوْتُ فَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا وَبِهِ يَأْخُذُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُول ذَلِكَ جَائِزٌ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا سَافَرَ الْمُسْلِمُ فَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ ذِمِّيَّيْنِ لَمْ نَقْبَلْهُمَا لِمَا وَصَفْنَا مِنْ شَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشُّهُودِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرَى عَلَى شَاهِدٍ الزُّورَ تَعْزِيرًا غَيْرَ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهِ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا وَإِلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ فَيَقُولُ الْقَاضِي يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذَّرُوهُ النَّاسَ وَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ شُرَيْحٍ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلَا يَبْعَثُ بِهِ وَيَضْرِبُهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أُعَزِّرُهُ وَلَا أَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَيُطَافُ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْلُغُ بِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنْ قَدْ شَهِدَ بِزُورٍ، أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي يَقِينًا أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ بِزُورٍ عَزَّرَهُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ وَيُشَهِّرُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَّفَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبِيلَةِ وَقَّفَهُ فِي قَبِيلَتِهِ وَإِنْ كَانَ سُوقِيًّا وَقَّفَهُ فِي سُوقِهِ وَقَالَ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ وَاحْذَرُوهُ، وَإِذَا أَمْكَنَ بِحَالٍ أَنْ لَا يَكُونَ شَاهِدَ زُورٍ، أَوْ شُبِّهَ عَلَيْهِ بِمَا يَغْلَطُ بِهِ مِثْلُهُ قِيلَ لَهُ لَا تُقْدِمْنَ عَلَى شَهَادَةٍ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتٍ وَلَمْ يُعَزِّرْهُ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَأَكْذَبَهُمَا الْمَشْهُودُ لَهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي شَهَادَتِهِمَا وَلَمْ يُعَزَّرَا وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّهُمَا الْكَاذِبُ فَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا صَادِقَيْنِ وَاَلَّذِي أَكْذَبَهُمَا كَاذِبٌ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَصْدُقَ أَحَدُهُمَا وَيَكْذِبَ الْآخَرُ لَمْ يُعَزَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّهُمَا الْكَاذِبُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى لَمْ يُعَزَّرَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَادِقَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَوْطِنِ الَّذِي شَهِدَا فِيهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ