الام للشافعي (صفحة 1845)

الشَّيْءَ وَهُوَ غَيْرُ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ خَشِيت أَنْ يَحْنَثَ إنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ، وَإِنْ رَآهُ فَعَجَّلَ لِيَرْفَعَهُ سَاعَةَ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَمَاتَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَنْ يُمْكِنَهُ رَفْعُهُ فَيُفَرِّطَ حَتَّى يَمُوتَ، وَإِنْ عَلِمَاهُ جَمِيعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَجْلِسًا وَاحِدًا، وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ مَا لَهُ مَالٌ وَلَهُ عَرَضٌ، أَوْ دَيْنٌ، أَوْ هُمَا حَنِثَ لِأَنَّ هَذَا مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شَيْئًا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا عَلَى نِيَّتِهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا مَاسَّتْهُ كُلُّهَا فَقَدْ بَرَّ، وَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهَا لَا تُمَاسُّهُ كُلُّهَا لَمْ يَبَرَّ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ مُغَيَّبًا قَدْ تُمَاسُّهُ وَلَا تُمَاسُّهُ فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً لَمْ يَحْنَثْ فِي الْحُكْمِ وَيَحْنَثْ فِي الْوَرَعِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا؟ قِيلَ مَعْقُولٌ أَنَّهُ إذَا مَاسَّتْهُ أَنَّهُ ضَارِبُهُ بِهَا مَجْمُوعَةً، أَوْ غَيْرَ مَجْمُوعَةٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا نِضْوًا فِي الزِّنَا بأثكال النَّخْلِ وَهَذَا شَيْءٌ مَجْمُوعٌ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا مَاسَّتْهُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً وَلَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا، فَأَيَّ ضَرْبٍ ضَرَبَهُ إيَّاهُ خَفِيفًا أَوْ شَدِيدًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ضَارِبُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَئِنْ فَعَلَ عَبْدُهُ كَذَا لَيَضْرِبَنَّهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ وَضَرَبَهُ السَّيِّدُ، ثُمَّ عَادَ فَفَعَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَا يَكُونُ الْحِنْثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَهَبُ رَجُلًا هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَهِيَ هِبَةٌ وَهُوَ حَانِثٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَحَلَهُ فَالنَّحْلُ هِبَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ، فَأَمَّا إنْ أَسْكَنَهُ فَلَا يَحْنَثُ إنَّمَا السُّكْنَى عَارِيَّةٌ لَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهَا وَلَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ مَا حَبَسَ عَلَيْهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعَبْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْمُهَا مُضَافٌ إلَيْهِ كَمَا يُضَافُ اسْمُهَا إلَى سَائِسِهَا، وَإِنْ كَانَ حُرًّا، أَوْ يُضَافُ الْغِلْمَانُ إلَى الْمُعَلِّمِ وَهُمْ أَحْرَارٌ فَيُقَالُ غِلْمَانُ فُلَانٍ وَتُضَافُ الدَّارُ إلَى الْقَيِّمِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ (قَالَ الرَّبِيعُ) قُلْت أَنَا وَيُضَافُ اللِّجَامُ إلَى الدَّابَّةِ وَالسَّرْجُ إلَى الدَّابَّةِ فَيُقَالُ لِجَامُ الْحِمَارِ وَسَرْجُ الْحِمَارِ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الدَّابَّةُ اللِّجَامَ وَلَا السَّرْجَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا حَلَفَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ فَحَنِثَ، أَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَحَجَّ، فَأَصَابَ شَيْئًا مِمَّا عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ، أَوْ تَظَاهَرَ، أَوْ آلَى فَحَنِثَ فَلَا يَجْزِيهِ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ وَأَنَّ لِمَالِكِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدَيْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْحُرِّ يُوهَبُ لَهُ الشَّيْءُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَيْهِ الصِّيَامُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ هَذَا شَيْءٌ مِنْهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ يَضُرُّ بِعَمَلِ الْمَوْلَى كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فِي الْحَالِ الَّتِي لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ فِيهَا أَجْزَأَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يَحْنَثُ النَّاسُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَيْمَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَهَرَ، وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ فِي الدُّنْيَا، فَأَمَّا السَّرَائِرُ فَلَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ فَهُوَ يُدِينُ بِهَا وَيَجْزِي وَلَا يَعْلَمُهَا دُونَهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُمْ مُشْرِكِينَ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ جَهَنَّمَ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] وَحَكَمَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْهُ فَلَمْ يَسْفِكْ لَهُمْ دَمًا وَلَمْ يَأْخُذْ لَهُمْ مَالًا وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يُنَاكِحُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015