قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا أَوْ لَأَلْبَسَنَّ هَذِهِ الثِّيَابَ غَدًا، أَوْ لَأَرْكَبَنَّ هَذِهِ الدَّوَابَّ غَدًا فَمَاتَتْ الدَّوَابُّ وَسُرِقَ الطَّعَامُ وَالثِّيَابُ قَبْلَ الْغَدِ، فَمَنْ ذَهَبَ إلَى طَرْحِ الْإِكْرَاهِ عَنْ النَّاسِ طَرَحَ هَذَا قِيَاسًا عَلَى الْإِكْرَاهِ فَإِنْ قِيلَ فَمَا يُشْبِهُهُ مِنْ الْإِكْرَاهِ؟ قِيلَ لَمَّا وَضَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ النَّاسِ أَعْظَمَ مَا قَالَ أَحَدٌ الْكُفْرَ بِهِ أَنَّهُمْ إذَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ فَجَعَلَ قَوْلَهُمْ الْكُفْرَ مَغْفُورًا لَهُمْ مَرْفُوعًا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106] الْآيَةَ، وَكَانَ الْمَعْنَى الَّذِي عَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ كَمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحُكْمِ وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ أَنْ يُغْلَبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ فَإِذَا تَلِفَ مَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِيهِ شَيْئًا فَقَدْ غُلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ وَهَذَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ وَمَنْ أَلْزَمَ الْمُكْرَهَ يَمِينَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهَا عَنْهُ كَانَ حَانِثًا فِي هَذَا كُلِّهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَمَاتَ مِنْ الْغَدِ بِعِلْمِهِ، أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَمْ يَحْنَثْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْأَيْمَانُ كُلُّهَا مِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَصْلُ مَا أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَلَيْهِ لِمَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ رَجُلًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ إنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحِنْثَ لَمْ يَكُنْ حَتَّى مَاتَ الْمَحْلُوفُ لَيَقْضِيَنَّهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ الَّذِي جَعَلَ الْمَشِيئَةَ إلَيْهِ، قَالَ فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ رَأْسَ الشَّهْرِ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ، أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ إنَّ لَهُ لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمَهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ: إلَى رَمَضَانَ لَهُ لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إلَى رَمَضَانَ، أَوْ إلَى هِلَالِ شَهْرِ كَذَا، وَكَذَا فَلَهُ حَتَّى يَهُلَّ هِلَالُ ذَلِكَ الشَّهْرِ فَإِنْ قَالَ لَهُ إلَى أَنْ يَهُلَّ الْهِلَالُ فَلَهُ لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ، أَوْ عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ حِينَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَخَرَجَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ حَنِثَ كَمَا يَحْنَثُ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَغَابَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حَنِثَ وَلَيْسَ حُكْمُ اللَّيْلَةِ حُكْمَ الْيَوْمِ وَلَا حُكْمُ الْيَوْمِ حُكْمَ اللَّيْلَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ حَتَّى يَهُلَّ هِلَالُ رَمَضَانَ حَنِثَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدَّ بِالْهِلَالِ كَمَا تَقُولُ فِي ذِكْرِ حَقِّ فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، وَكَذَا إلَى هِلَالِ كَذَا، وَكَذَا فَإِذَا هَلَّ الْهِلَالُ فَقَدْ حَلَّ الْحَقُّ قَالَ فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ، أَوْ إلَى زَمَانٍ، أَوْ إلَى دَهْرٍ إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ وَإِنَّ ذَلِكَ سَنَةً سَنَةً
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ فَلَيْسَ فِي الْحِينِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ يَبَرُّ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحِينَ يَكُونُ مُدَّةَ الدُّنْيَا كُلِّهَا وَمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا إلَى الْقِيَامَةِ الْفُتْيَا لِمَنْ قَالَ هَذَا أَنْ يُقَالَ لَهُ إنَّمَا حَلَفْت عَلَى مَا لَا تَعْلَمْ وَلَا نَعْلَمْ فَنُصَيِّرُك إلَى عِلْمِنَا، وَالْوَرَعُ لَك أَنْ تَقْضِيَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْحِينَ يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ حَلَفْت وَلَا تَحْنَثُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحِينِ غَايَةٌ، وَكَذَلِكَ الزَّمَانُ، وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ، وَكَذَا كُلُّ كَلِمَةٍ مُنْفَرِدَةٍ لَيْسَ لَهَا ظَاهِرٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْأَحْقَابُ.
ُ (قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِي عَبْدًا، فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى لَهُ