الام للشافعي (صفحة 1816)

بِالتَّحَامُلِ، أَوْ الْحَيْفِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالتَّحَامُلِ لِمَنْ يَشْهَدُونَ لَهُ، أَوْ الْجَنَفَ لَهُ فَإِنْ صَحَّحُوا الشَّهَادَةَ قَبِلَهَا، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلَافًا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ أَلْغَاهَا

(قَالَ) : وَإِذَا أَثْبَتَ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ عَلَى أَيِّ حَدٍّ مَا كَانَ، ثُمَّ غَابُوا، أَوْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُعَدَّلُوا، ثُمَّ عُدِّلُوا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهَكَذَا لَوْ كَانُوا عُدُولًا، ثُمَّ غَابُوا قَبْلَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ أُقِيمَ وَهَكَذَا لَوْ خَرِسُوا، أَوْ عَمُوا (قَالَ) : وَإِذَا كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا، أَوْ عُدِّلُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَطْرَدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ جَرْحَتَهُمْ وَقَبِلَهَا مِنْهُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَفْضَلِ النَّاسِ بِالْعَدَاوَةِ، وَالْجَرِّ إلَى نَفْسِهِ وَالدَّفْعِ عَنْهَا، وَلَا تَقْبَلْ الْجَرْحَ مِنْ الْجَارِحِ إلَّا بِتَفْسِيرِ مَا يَجْرَحُ بِهِ الْجَارِحُ الْمَجْرُوحَ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ يَجْرَحُونَ بِالِاخْتِلَافِ، وَالْأَهْوَاءِ وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُضَلِّلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُونَ بِالتَّأْوِيلِ فَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا بِنَصِّ مَا يَرَى هُوَ مِثْلَهُ يَجْرَحُ كَانَ الْجَارِحُ فَقِيهًا، أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ؛ لِمَا وَصَفْت مِنْ التَّأْوِيلِ

(قَالَ) : وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ مَا كَانَ، أَوْ حَقٍّ مَا كَانَ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمْ عَبِيدٌ، أَوْ لَمْ يَقُلْهُ فَحَقٌّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخِبْرَةٍ مِنْهُ بِهِمْ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عِنْدَهُ أَخْبَرَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَطْرَدَهُ جَرْحَتَهُمْ فَإِنْ جَاءَ بِهَا قَبِلَهَا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَنْفَذَ عَلَيْهِ مَا شَهِدُوا بِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا يَمْحَضُ الطَّاعَةَ، وَالْمُرُوءَةَ حَتَّى لَا يَخْلِطَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَلَا تَرْكِ مُرُوءَةٍ وَلَا يَمْحَضُ الْمَعْصِيَةَ وَيَتْرُكُ الْمُرُوءَةَ حَتَّى لَا يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ. فَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ، وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فِيهَا حَدٌّ وَأُخِذَ فَلَا نُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُنْكَشِفَ الْكَذِبِ مُظْهِرَهُ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ بِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جُرِّبَ بِشَهَادَةِ زُورٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَذَّابٍ فِي الشَّهَادَاتِ وَمَنْ كَانَ إنَّمَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ وَلَهُ مَخْرَجٌ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْمُ كَذَّابٍ وَكُلُّ مَنْ تَأَوَّلَ، فَأَتَى شَيْئًا مُسْتَحِلًّا كَانَ فِيهِ حَدٌّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مِمَّنْ حُمِلَ عَنْهُ الدِّينُ وَنُصِبَ عَلَمًا فِي الْبُلْدَانِ مَنْ قَدْ يَسْتَحِلُّ الْمُتْعَةَ فَيُفْتِيَ بِأَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَيَّامًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ تَأَوَّلَ فَاسْتَحَلَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا أَعْظَمَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ فَشَرِبَ كُلَّ مُسْكِرٍ غَيْرَ الْخَمْرِ وَعَابَ عَلَى مَنْ حَرَّمَهُ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَلَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَلَّ بُيُوعًا مُحَرَّمَةً عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ مَعَ مَا وَصَفْت وَمَا أَشْبَهَهُ أَهْلَ ثِقَةٍ فِي دِينِهِمْ وَقَنَاعَةٍ عِنْدَ مَنْ عَرَفَهُمْ، وَقَدْ تَرَكَ عَلَيْهِمْ مَا تَأَوَّلُوا، فَأَخْطَئُوا فِيهِ وَلَمْ يُجْرَحُوا بِعَظِيمِ الْخَطَإِ إذَا كَانَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْلَالِ كَانَ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا لَهُ وَبِالْحَمَامِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا لَهُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يُحْصَى وَلَا يُقَدَّرُ، فَأَمَّا إنْ قَامَ رَجُلٌ بِالْحَمَامِ، أَوْ بِالشِّطْرَنْجِ رَدَدْنَا بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَرَ بِغَيْرِهِ فَقَامَرَ عَلَى أَنْ يُعَادِيَ إنْسَانًا، أَوْ يُسَابِقَهُ، أَوْ يُنَاضِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ اسْتَحَلَّ الْقِمَارَ وَلَا تَأَوَّلَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ جَعَلَ فِيهَا سَبْقًا مُتَأَوَّلًا كَالسَّبْقِ فِي الرَّمْيِ وَفِي الْخَيْلِ قِيلَ لَهُ قَدْ أَخْطَأْت خَطَأً فَاحِشًا وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا يُبَيَّنُ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا غَفْلَةَ فِي هَذَا عَلَى أَحَدٍ وَأَنَّ الْعَامَّةَ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ قَالَ وَبَائِعُ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015