وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى الْبَتِّ وَفِيمَا عَلَيْهِ نَفْسُهُ عَلَى الْبَتِّ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَى الرَّجُلِ فَيَدَّعِي الرَّجُلُ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ وَيُسَمِّيه لَثَابِتٌ عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا اقْتَضَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ لَهُ مُقْتَضٍ بِأَمْرِهِ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا أَبْرَأ فُلَانًا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَأَنَّهُ عَلَيْهِ لَثَابِتٌ إلَى يَوْمِ حَلَفْت هَذِهِ الْيَمِينَ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ فَوَرِثَ أَبَاهُ أُحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْسِهِ كَمَا وَصَفْت وَعَلَى عِلْمِهِ فِي أَبِيهِ مَا عَلِمَ أَبَاهُ اقْتَضَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا أَبْرَأهُ مِنْهُ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، ثُمَّ أَخَذَهُ فَإِنْ كَانَ شَهِدَ لَهُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ قَالَ فِي الْيَمِينِ إنَّ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ لَحَقٌّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ، ثُمَّ يُنَسِّقُ الْيَمِينَ كَمَا وَصَفْت لَك وَيَتَحَفَّظُ الَّذِي يُحَلِّفُهُ فَيَقُولُ لَهُ قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَإِنْ وَجَبَتْ الْيَمِينُ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ بِهَا، أَوْ عَلَى أَحَدٍ يُبَرَّأُ بِهَا فَسَوَاءٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْلِفُ فِيهِ وَإِنْ بَدَأَ الَّذِي لَهُ الْيَمِينُ، أَوْ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْيَمِينِ عَلَى مَا ادَّعَى وَادُّعِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ بِمَيْنِهِ وَلَكِنْ إذَا خَرَجَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ، أَوْ عَلَيْهِ أَحْلَفَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ فَالْحُجَّةُ فِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنَ شَافِعٍ أَخْبَرَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ «أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ» قَالَ فَقَدْ حَلَفَ رُكَانَةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْحُكْمِ فَلَمْ يَدَعْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَحْلَفَهُ بِمِثْلِ مَا حَلَفَ بِهِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ فَإِذَا كَانَتْ بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ لَمْ تَعُدْ ثَانِيَةً عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِذَا حَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ فِي الطَّلَاقِ فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْيَمِينَ فِي الطَّلَاقِ كَمَا هِيَ فِي غَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْإِرْثِ، أَوْ لَهُ أَحْلَفَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَلَى مَنْ بِلِسَانِهِ خَبَلٌ وَيُفْهَمُ بَعْضُ كَلَامِهِ وَلَا يُفْهَمُ بَعْضٌ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَخْرَسَ فَكَانَ يَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ وَيُفْهَمُ عَنْهُ بِهَا أُشِيرَ إلَيْهِ وَأَحْلَفَ لَهُ وَعَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ، أَوْ كَانَ مَعْتُوهًا، أَوْ مَخْبُولًا فَكَانَتْ الْيَمِينُ لَهُ وَقَفْتُ لَهُ حَقَّهُ حَتَّى يُفِيقَ فَيَحْلِفَ، أَوْ يَمُوتَ فَيَحْلِفَ وَارِثُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ قِيلَ: لِمُدَّعِيهَا انْتَظِرْ حَتَّى يُفِيقَ وَيَحْلِفَ فَإِنْ قَالَ، بَلْ أَحْلِفُ وَآخُذُ حَقِّي قِيلَ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَك إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَك إذَا رَدَّ الْيَمِينَ وَهُوَ لَمْ يَرُدَّهَا وَإِنْ أَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ اسْتَثْنَى فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَعَادَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَبَدًا حَتَّى لَا يَسْتَثْنِيَ (قَالَ) : وَالْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَسْتَحْلِفَ النَّاسَ فِيمَا بَيْنَ الْبَيْتِ، وَالْمَقَامِ وَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ - وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 6 - 7] فَاسْتَدْلَلْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَالِفِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَعْظُمُ فِيهِ الْيَمِينُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَعَلَى الْحَالِفِ فِي اللِّعَانِ بِتَكْرِيرِ الْيَمِينِ وَقَوْلِهِ {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّمِ بِخَمْسِينَ يَمِينًا لِعِظَمِهِ وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ