الام للشافعي (صفحة 1791)

قُلْنَا وَهَذَا أَيْضًا مِثْلُ الَّذِي زَعَمْت أَنَّك لَمَّا تَبَيَّنَ لَك عَلِمْت أَنَّ صَاحِبَك لَمْ يَصْنَعْ فِيهِ شَيْئًا قَالَ فَكَيْفَ؟ قُلْت أَتَجِدُ الْحَرَامَ فِي الْمَاءِ مُخْتَلِطًا فَالْحَلَالُ مِنْهُ لَا يَتَمَيَّزُ أَبَدًا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجِدُ بَدَنَ الَّتِي زَنَى بِهَا مُخْتَلِطًا بِبَدَنِ ابْنَتِهَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ؟ قَالَ لَا، قُلْت وَتَجِدُ الْمَاءَ لَا يَحِلُّ أَبَدًا إذَا خَالَطَهُ الْحَرَامُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَتَجِدُ الرَّجُلَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَهَا، أَوْ هِيَ حَلَالٌ لَهُ وَحَرَامٌ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا؟ قَالَ، بَلْ هِيَ حَلَالٌ لَهُ قُلْت فَهُمَا حَلَالٌ لِغَيْرِهِ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَرَاهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ؟ قَالَ لَا قُلْت أَفَمَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ خَطَأَك فِي هَذَا لَيْسَ يَسِيرًا إذَا كَانَ يَعْصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي امْرَأَةٍ فَزَنَى بِهَا فَإِذَا نَكَحَهَا حَلَّتْ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَإِنْ أَرَادَ نِكَاحَ ابْنَتِهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ فَتَحِلُّ لَهُ الَّتِي زَنَى بِهَا وَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْأَزْوَاجِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا الَّتِي لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَمْرِهَا وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ امْرَأَتِهِ وَهَذِهِ عِنْدَك لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ يُقَالُ مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا قُلْت وَمَا أَدْرِي لَعَلَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَرَ فَرْجَ ابْنَتِهَا مَلْعُونٌ، وَقَدْ أَوْعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الزِّنَا النَّارَ وَلَعَلَّهُ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُخْتَيْنِ قَالَ لَا قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إنْ زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا وَعَابَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ فِي هَذَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَالطَّلَاقَ إلَيْهِمْ فَزَعَمُوا هُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا شَاءَتْ كَانَ الطَّلَاقُ إلَيْهَا فَإِذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا قَبَّلَتْ ابْنَهُ وَقَالَتْ قَبَّلْته بِشَهْوَةٍ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا الْأَمْرَ إلَيْهَا وَقُلْنَا نَحْنُ وَهُمْ وَجَمِيعُ النَّاسِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ عَلِمْته مَنْ طَلَّقَ غَيْرَ امْرَأَتِهِ، أَوْ آلَى مِنْهَا، أَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ وَلَا إيلَاءٌ قَالَ فَقُلْنَا إذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ لَا يُخَالِفُهُ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ فَقُلْت لَهُ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] إلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] .

وَقُلْنَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] وَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعِدَّةَ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي الْوَفَاةِ فَقَالَ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَمَا تَقُولُ فِي الْمُخْتَلِعَةِ إنْ آلَى مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ، أَوْ تَظَاهَرَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ، أَوْ الظِّهَارُ؟ قَالَ لَا قُلْت فَإِنْ مَاتَ هَلْ تَرِثُهُ، أَوْ مَاتَتْ هَلْ يَرِثُهَا فِي الْعِدَّةِ؟ قَالَ لَا قُلْت وَلِمَ وَهِيَ تَعْتَدُّ مِنْهُ؟ قَالَ لَا وَإِنْ اعْتَدَّتْ فَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا فِي الْأَزْوَاجِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ، وَإِذَا رَمَى الْمُخْتَلِعَةَ فِي الْعِدَّةِ أَيُلَاعِنُهَا قَالَ لَا قُلْت: أَفَبِالْقُرْآنِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ إلَّا زَوْجَةٌ وَهَذِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَعِنْدَك غَيْرُ زَوْجَةٍ، ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهَا وَأَنْتَ تَقُولُ إنَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ؟ قَالَ رَوَيْنَا قَوْلَنَا هَذَا بِحَدِيثٍ شَامِيٍّ قُلْنَا أَفَيَكُونُ مِثْلُهُ مِمَّا يَثْبُتُ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَلَا تَحْتَجُّ بِهِ قَالَ فَقَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قُلْنَا فَهُمَا إذَا قَالَا وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْهُمَا غَيْرُهُمَا حُجَّةٌ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَهَلْ يَحْتَجُّ بِهِمَا عَلَى قَوْلِنَا وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَلَعَلَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ فَيُلْزِمَانِهِ الْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ وَيَجْعَلَانِ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثَ؟ قَالَ فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ بِقَوْلِك؟ قُلْنَا الْكِتَابُ كَافٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ قُلْت لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إلَّا قَوْلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015