قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَالَ، فَأَتَى بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ لَهُ عَلَى حَقِّهِ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ الِامْرَأَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْحُجَّةُ فِيهِ؟ فَالْحُجَّةُ فِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا كُنَّ لَا يُجَزْنَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِيمَا لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ فَهَاتَانِ امْرَأَتَانِ لَيْسَ مَعَهُمَا رَجُلٌ يَشْهَدُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَعَهُمَا رَجُلٌ يَحْلِفُ فَالْحَالِفُ غَيْرُ شَاهِدٍ. فَإِنْ قَالَ: فَقَدْ يُعْطَى بِيَمِينِهِ. قِيلَ: يُعْطَى بِهَا بِالسُّنَّةِ لَيْسَ أَنَّهُ شَاهِدٌ وَالرَّجُلُ لَا يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْلِفْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ قَالَ امْرَأَتَانِ تَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ؟ قِيلَ: إذَا كَانَتَا مَعَ رَجُلٍ وَلَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أَخَذَهُ كَمَا يَأْخُذُهُ بِشَاهِدَيْنِ وَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا أَحْسِبُ أَحَدًا يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ (قَالَ) : وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ أَقَامَتْ شَاهِدًا أَنَّهُ طَلَّقَهَا لَمْ تَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهَا وَقِيلَ: ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ وَإِلَّا أَحَلَفْنَاهُ مَا طَلَّقَك، وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً بِوَلِيٍّ وَرِضَاهَا وَشُهُودٍ وَمَهْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَةَ الْمَرْأَةِ كَمَا يَمْلِكُ الْأَمْوَالَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ شَيْءٌ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهَا مَا كَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ مِنْهَا فَتَقُومُ فِي نَفْسِهَا مَقَامَ الزَّوْجِ فِيهَا فِي كُلِّ أَمْرِهِ، أَوْ فِي بَعْضِهِ وَالزَّوْجُ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُهَا مِلْكَ الْمَالِ فَهُمَا خَارِجَانِ مِنْ مَعْنَى مَنْ حَكَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ بِهَا لِمَنْ يَمْلِكُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ مِلْكًا يَكُونُ لَهُ فِيهِ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ، أَوْ سُلْطَانُ رِقٍّ، أَوْ مِلْكٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِمَّا قَدْ مَلَكَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَمِمَّا يَمْلِكُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَكَذَا الزَّوْجُ، وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَيْهَا سُلْطَانُ إبَاحَةِ شَيْءٍ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَوْ أَقَامَ عَبْدٌ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، أَوْ كَاتَبَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ مَا كَانَ سَيِّدُهُ مَالِكَهُ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ لِلْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِإِنْسَانٍ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَمَّا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ الْعَبْدِ يُعْتَقُ، وَالْمَرْأَةِ تَطْلُقُ، وَالْحَدِّ يَثْبُتُ، أَوْ يَبْطُلُ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ يَمِينٌ مَعَ الشَّاهِدِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الْحَالِفُ مَعَ شَاهِدِهِ شَيْئًا كَانَ بِيَدِهِ غَيْرُهُ مِمَّا قَدْ يُمْلَكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَاَلَّذِي قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ مَالٌ، وَالْمَالُ غَيْرُ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَغَيْرُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْآخَرِ فَالْعَبْدُ الَّذِي يَطْلُبُ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالْيَمِينِ عَلَى عِتْقِهِ كَانَ إنَّمَا يُقْضَى لَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا وَنَفْسُهُ لَيْسَتْ كَغَيْرِهِ فَكَانَ هَذَا خَارِجًا مِنْ مَعْنَى مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَتَى رَجُلٌ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ أَنَّ رَجُلًا أَشْهَدَهُ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ حَقًّا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِشَاهِدٍ آخَرَ فَإِنْ قَالَ أَحْلِفُ لَقَدْ شَهِدَ لِي لَمْ يُحَلَّفْ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ لَهُ لَيْسَ أَنْ